سعد هجرس

الأخطر من الصفقة

الأربعاء، 07 مارس 2012 03:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القضية الشهيرة باسم «قضية التمويل الأجنبى»، التى تجرى تفاصيلها المشينة على كل لسان، خطيرة فى حد ذاتها، لكن الأخطر من كونها «مشينة» و«فاضحة» هو أنها «كاشفة» لعدد من الملفات التى لا تقل شأناً إن لم تزد.

فهى كاشفة أولاً لملف استقلال القضاء الذى يتم التلكؤ فى فتحه، وتلك مهمة إذا لم يتم إنجازها بشفافية ونزاهة وشجاعة، فلا أمل فى إحراز أى تقدم فى بقية المجالات، بل لا أمل فى نجاح الثورة «أصلاً».

وهى كاشفة ثانياً لمسألة «مكشوفة» و«مكتشفة» سلفاً، لكن لم يكن واضحاً أنها بهذه الدرجة من السوء، ألا وهى إدارة «المجلسين» - العسكرى والوزراء - لشؤون البلاد ولمتطلبات الفترة الانتقالية، وهى إدارة تتجاوز التخبط وسوء التقدير إلى المقامرة بمقدرات البلاد وسيادتها، بالمخالفات الصريحة لمنطق الثورة وأهدافها.

وهى كاشفة ثالثاً للعملية الانتقالية، والتى هى إحدى الآليات التى تكتسب أهمية استثنائية فى هذه المرحلة الانتقالية من الدولة الاستبدادية إلى إرساء دعائم دولة الحق والقانون، فقد كانت هناك ملاحظات كثيرة على أداء اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية وإخفاقها فى التصدى لتجاوزات لا تعد ولا تحصى شابت انتخابات مجلس الشعب، وتجىء الانتخابات الرئاسية الوشيكة لتصاعد المخاوف من المادة 28 إياها التى تجعل من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية هيئة «إلهية» لا يجوز الطعن على قراراتها مهما حدث.. فما بالك وأن الرجل الأول على رأس هذه اللجنة المحصنة ضد أى طعن، وهو السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا، ليس فوق مستوى الجدال، بل إن عدداً من أعضاء مجلس الشعب اتهموه - على بلاطة - بالتورط فى عمليات تزوير لنتائج انتخابات متنوعة فى ظل نظام حسنى مبارك، ثم ها هى قضية التمويل الأجنبى تطرح تساؤلات خطيرة حول الرجل الثانى على رأس هذه اللجنة، والذى كان هو نفسه الرجل الأول على رأس اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، حيث يتهمه قضاة كبار ومرموقون باتهامات خطيرة تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات على الأقل، من بينها تهمة الضغط على القضاة لتنفيذ مشيئة «المجلسين»، فهل يطمئن الرأى العام لنزاهة الانتخابات السابقة واللاحقة فى ظل هذه الملابسات؟

وهى كاشفة رابعاً لملف علاقات الإخوان المسلمين بالإدارة الأمريكية، حيث ظهر فى سياق أزمة قضية التمويل الأجنبى أن «باطن» هذه العلاقات غير «الظاهر» منها، صحيح أن جماعة الإخوان أصدرت بياناً ينفى تورط الجماعة فى الصفقة الغامضة إياها، لكن التصريحات الأمريكية «الرسمية» التى أشادت بدور «الجماعة» فى هذا الصدد لا ينبغى أن تمر مرور الكرام، كما أن نفيها كلياً أو جزئياً يحتاج إلى ما هو أكثر من بيان مضاد، خاصة فى ضوء التحالف القائم - أو على الأقل التفاهم العلنى - بين الإخوان والمجلس العسكرى، وكذلك فى ضوء اللقاءات الأمريكية - الإخوانية المتعددة فى الآونة الأخيرة.

وهى أخيراً - وليس آخراً - كاشفة لثقل وطأة الوصاية الحكومية المفروضة على المجتمع المدنى، ونستطيع أن نشعر بفداحة هذه الوصاية الحكومية إذا تصفحنا قانون الجمعيات الأهلية التونسية بعد الثورة الذى حرر المجتمع المدنى من كل القيود البيروقراطية والتسلطية، بينما نحن نسير على «كتالوج» نظام مبارك الاستبدادى الذى يضع ألف قيد وقيد على مبادرات خلق الله التطوعية، والأنكى أنه يفرض هذه القيود بصورة انتقائية ممجوجة.
باختصار.. قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى تعيدنا إلى المربع رقم واحد، وهو أن مصر ماتزال بحاجة إلى ثورة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة