سعد هجرس

المؤامرة دنيئة.. وبورسعيد بريئة

الأربعاء، 08 فبراير 2012 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مازلنا نعيش توابع زلزال بورسعيد الرهيب، ولم تعد هناك حاجة لـ«اللت» و«العجن» فى مقدماته التى تناولها الكثيرون بالتفصيل الممل، كما لم تعد هناك حاجة للتحذير من القراءة السطحية والمجتزأة لأسباب ودوافع هذه المجزرة الوحشية. فحتى مشجعو الكرة، وفى مقدمتهم «الألتراس» لم ينزلقوا إلى مهاترات التعصب الرياضى المزعومة، كما لم ينساقوا وراء غواية إشعال حرب أهلية بين القاهرة وبورسعيد، بل هتفوا من اللحظة الأولى «المؤامرة دنيئة.. وبورسعيد بريئة»، بما يعنى أن المصرى العادى الذى ليس له فى «الطور أو فى الطحين»، وليس له فى السياسة ومناوراتها، قد فهم «الملعوب»، وأنه أذكى من الذى دبروا هذه الموقعة القذرة بدم بارد.

وبعكس ذكاء المصريين يأتى غباء التعامل مع هذه الكوارث المتوالية، بدءاً من «موقعة الجمل» إلى «موقعة استاد بورسعيد»، حيث نرى أن التعامل الرسمى لا يخرج عن «الإنكار» أولاً، ثم «التبرير» ثانياً، ثم اللجوء إلى الأساليب الأمنية التى لا تحل المشاكل، إنما تزيدها تعقيداً فى أغلب الأحيان، وأضيف إلى الأساليب الأمنية المألوفة أسلوبا جديدا هذه المرة، هو أسلوب «الجدران العازلة» التى يتم بناؤها حول وزارة الداخلية التى يفترض أنه سيتم تعميمها إذا ثبت نجاحها! وهذه خيبة عظمى، وخيال سقيم، وقصر نظر لا مثيل له، فليس بالأساليب الأمنية أو بالجدران العازلة يتم حل المشاكل أو التعامل الإيجابى مع المتطلبات الثورية لشعب كسر حاجز الخوف، وقرر الإمساك بمصيره بيده.

وقد استبشرنا خيراً بقبول وزارة الداخلية- أخيرا وبعد تسويف ومماطلة- للمطلب الذى بحّت أصواتنا فى المناداة به منذ شهور بضرورة تفريق وتفكيك «حكومة طرة»، وتجهيز مستشفى الليمان لاستقبال الرئيس المخلوع للإقامة به بدلاً من الجناح الملكى المخصص له بأحد المستشفيات ذات النجوم السبعة، فأى مبتدئ فى شؤون الأمن يعرف أن تجميع كل هذه الشخصيات التى كانت تقود نظام حسنى مبارك- بمنطق التشكيل العصابى- فى مكان واحد، يعرض أمن البلاد والثورة لأخطار شديدة. فما بالك وأن مزرعة ليمان طرة تحولت إلى «نادى» أو «منتجع» لقادة تحالف الاستبداد والفساد، وليس المهم ما يتوفر لهم فى هذا المنتجع من لذائذ الحياة بالصورة التى تتنافى مع النظم المعمول بها فى مصلحة السجون، فما يهمنا هو أن هذه الأوضاع «السايبة» دون حسيب أو رقيب تتيح لهم تدبير المؤامرات، والتخطيط لجرائم إحراق الوطن «كما حدث بالفعل».

وبالمناسبة، توجد وقائع مذهلة عن بعض كبار ضباط مصلحة السجون، المسؤولين عن مزرعة ليمان طرة، والذين تم تصوير لقاءات متعددة تجمعهم مع أقارب لهؤلاء المحبوسين، الأمر الذى يثير الشكوك القوية فيما يجرى فى هذه اللقاءات، والأعجب أن بعض هذه اللقاءات المسجلة بالصورة على الأقل معروفة للمسؤولين عن وزارة الداخلية، ومع ذلك لم يتم اتخاذ إجراء ضد هذه العناصر المتآمرة المعروفة لنا ولهم بالاسم.. ومن حق الناس أن يتساءلوا عن أسباب هذه «اللغوصة» التى تثير الشكوك، خاصة أن كل الأوضاع مازالت كما كانت عليه قبل إجبار حسنى مبارك على التنحى، ومازالت أغلب القيادات فى مواقعها، وتنتهج نفس سياسات «الوريث» جمال مبارك.

ولذلك جاء قرار وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بتفكيك منتجع طرة ليفتح نافذة - ولو ضيقة - للأمل، لكن مع الوضع فى الاعتبار أن هذه مجرد بداية لقائمة طويلة من المطالب السياسية العاجلة الكفيلة بنزع فتيل الأزمة، وتمهيد الطريق أمام مصالحة وطنية، وتوافق وطنى حول خريطة طريق للمرحلة الانتقالية، وعلى رأس هذه المطالب التبكير بالانتخابات الرئاسية، وحل عقدة نقل إدارة مقاليد البلاد من المجلس العسكرى إلى رئيس مدنى منتخب اليوم قبل الغد، وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى «بالفعل وليس بالاسم فقط»، وبلورة صيغة «ثورية» للانتهاء من المحاكمات «السياسية» لمبارك وزعانف نظامه لتحقيق العدالة الناجزة والسريعة فى آن واحد، فضلا على المهمة المؤجلة دائما المتعلقة بـ«تحرير» الإعلام و«استقلال» القضاء.

الناس لم تعد تقتنع بالكلام، أى كلام، فما بالك إن كان الكلام الذى يسمعونه معاداً ومكرراً وسطحياً ومملاً لا يدخل عقل أطفال صغار.

الناس تريد أن ترى أفعالا، وأن ترى تحولاً جذرياً فى المشهد السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى اتجاه مطالب ثورة 25 يناير الأساسية: عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية.. وإذا كان مجلس الشعب قد بدأ إجراءات مساءلة وزير الداخلية، فإن هذا أمر طيب يحدث لأول مرة فى البرلمان المصرى منذ عام 1952، لكنها خطوة لا تكفى لأنها تعنى حصر المسألة فى حدود «التقصير الأمنى» بينما هى أكبر من ذلك بكثير، لكن الأغلبية فى مجلس الشعب فضلت تقديم وزير الداخلية ككبش فداء تجنباً للصدام مع المجلس العسكرى، وحفاظاً على «التفاهمات» المبرمة معه، حتى لو كان الثمن مزيداً من دماء المصريين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة