صلاح عيسى

«تحرير الإعلام» شعار ثورى..

الجمعة، 03 فبراير 2012 12:32 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ارتفع شعار «تطهير الإعلام» فى سماء الاحتفالات والاحتجاجات بالعيد الأول لثورة 25 يناير، حتى غطى على غيره من الشعارات، فزعقت به الحناجر ورفرفت به الرايات، وأصبح الموضوع المفضل للنقاش فى المناظرات الفضائية التى عقدت لتقييم إيجابيات وسلبيات العام الأول للثورة، لتنتهى عادة بالحكم بأن الإعلام- وخاصة المملوك للدولة- تعمد خلال العام الذى انقضى من عمر الثورة، إذاعة أخبار كاذبة عنها، ونسبة اتهامات ملفقة إلى قادتها، بهدف تشويه سمعتها، وتنفير الجماهير منها مما يتطلب تطهيره حالاً بالاً من أعداء الثورة. ولأن كل عمل بشرى، سواء قام به الإعلاميون أو الثوار، لا يخلو من خطأ هنا أو هناك، فإن الهجوم الثورى الكاسح على الإعلام بشكل عام ودون تمييز بين الخطأ الذى يقع بحسن نية وبين التآمر الذى يستهدف الهدم، وبين النقد الثورى الذى يوجه للثورة من داخل معسكرها، ويسعى لتصويب مسارها، والتسفيه الذى يستهدف تخريبها ووقف تقدمها، أمر يدعو للدهشة لأنه يصدر عن المتحدثين باسم ثورة من أوائل الثورات فى عصر ثورة الاتصالات، تدين بالجانب الأكبر من نجاحها إلى أجهزة الإعلام التى اعتمدت عليها فى تجميع الصفوف وحشد الأنصار، وترويج الشعارات، فردت لها الجميل برفع شعار «تطهير الإعلام» لتتأكد بذلك مقولة أحد زعماء الثورة الفرنسية، بأن الثورات كالقطط تأكل أبناءها، وكالفئران بلا ذاكرة ولا تاريخ، لا تستفيد من أخطاء غيرها وبذلك يسهل صيدها بالطريقة ذاتها التى قادت أسلافها للمصيدة. ولأننى أنتمى للجيل الذى عاصر ثورات 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971 و5 سبتمبر 1981 و25 يناير 2011، فإن لدى حساسية بالغة، ونفورا تاما، تجاه شعار «تطهير الإعلام» لأن التجربة علمتنى أنه ينتهى عادة بمصادرة حرية الإعلام، ولأن ضحيته الأولى هى الثورة نفسها، فقبل أن يمر أسبوع واحد على ثورة 23 يوليو 1952، أمر مجلس قيادة الثورة بالقبض على اثنين من ألمع الصحفيين، هما الشقيقان «على» و«مصطفى» أمين صاحبا دار «أخبار اليوم»، بتهمة إجراء اتصالات هاتفية مريبة بالعاصمة البريطانية فى إيحاء بأنهما كانا يحرضان دولة الاحتلال على التدخل ضد الثورة. وبعد أيام اتضح أنهما لم يجريا أى اتصالات من هذا النوع، واتهم أصحاب جريدة «المصرى» – الذين كانوا على صلة طيبة بقادة الثورة – بأنهم وراء هذا البلاغ الكيدى لأسباب تتعلق بالمنافسة بين الصحيفتين– وأفرج عن الأخوين «أمين» واعتذر لهما مجلس قيادة الثورة فى بيان رسمى ليصبحا من أكثر المتحمسين للثورة، بينما انتقل أصحاب «المصرى»– أكبر صحف حزب الوفد– إلى صف الناقدين لمجلس الثورة، بسبب إلحاحهم على إعادة العمل بدستور 1923، ووصل الخلاف إلى ذروته أثناء أزمة مارس 1954، ليسفر فى أعقاب انتهاء الأزمة، عن تقديم أصحاب «المصرى» وصاحب جريدة «الجمهور المصرى» – التى اتخذت الموقف نفسه - إلى محكمة الثورة، وعن إغلاق الجريدتين! وشملت حملة تطهير الصحافة التى أعقبت أزمة مارس، مصارع عشرات الصحف، فتوقفت كل الصحف الحزبية التى كانت تنطق بلسان الأحزاب السياسية بعد حل الأحزاب، واكتشف ثورى عبقرى أن هناك نصاً فى قانون المطبوعات يقضى بإلغاء تراخيص الصحف التى لا تنتظم فى الصدور لمدَّة ستة شهور، فأمر بإلغاء 48 صحيفة كان معظمها من الصحف اليسارية والديمقراطية، التى اضطرت لعدم الانتظام فى الصدور، بسبب تعنت الرقابة واعتقال محرريها بعد أن فرضت الأحكام العرفية فى أعقاب حريق القاهرة. وقرر مجلس قيادة الثورة حلّ مجلس نقابة الصحفيين، لأنه عقد جمعية عمومية فى مارس 1953 نددت بتعسف الرقابة على الصحف.. وعلى سبيل التشهير أعلن مجلس القيادة قائمة تضم أسماء 20 من كبار الصحفيين بينهم 7 من أعضاء مجلس إدارة النقابة و13 صحيفة قال إنهم تقاضوا مصاريف سرية فى العهد البائد.. كانت تضم أسماء لصحفيين وصحف من التى خاضت معركة الديمقراطية، تلقوا هذه المبالغ تعويضا عما كانوا يخسرونه بسبب المصادرات التعسفية التى كانت صحفهم تتعرض لها فى العهود الديكتاتورية. ومنذ ذلك الحين أصبح تطهير الصحافة بمنع الصحفيين من العمل، أو نقلهم إلى أعمال غير صحفية، أحد تقاليد الحكم الثورى فى مختلف أطواره وتقلباته، خاصة منذ صدور قانون تأميم الصحافة عام 1960 الذى نقل ملكية الدور الصحفية الكبيرة إلى الاتحاد القومى، وقضى بألاّ يعمل أحد بالصحافة إلاّ إذا حصل على موافقة مسبقة من هذا الاتحاد.. فتعددت موجات نقل الصحفيين إلى أعمال غير صحفية، كما حدث عام 1964 عندما فصل معظم الكتّاب اللامعين فى جريدة «الجمهورية» إلى وزارات الحكومة وشركات القطاع العام، وفى عام 1973– وبعد عامين من ثورة 15 مايو 1971 – أصدرت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكى قرارا بإسقاط العضوية العاملة بالاتحاد عن 120 صحفيا – كان من بينهم نصف عدد أعضاء مجلس النقابة – وحرمتهم من العمل بالصحافة ونقلتهم إلى مصلحة الاستعلامات، وفى عام 1981 أصدر الرئيس السادات قراراً بنقل 64 صحفيا إلى المصلحة ذاتها فضلا عن عشرات شملتهم حملة الاعتقالات التى واكبت ثورة 5 سبتمبر لذلك العام، فضلاً عمن كانوا يستيقظون فى الصباح من الصحفيين فيجدون قرارا شفهيا بحرمانهم من الكتابة أو بفصلهم من العمل. ربما لهذا السبب، طالبت منذ شهور برفع شعار «تحرير الإعلام» بدلاً من شعار «تطهير الإعلام»، لأن الأول يعنى تغيير القوانين والنظم ذات الصلة بالإعلام المملوكة للدولة على نحو يحرر الإعلاميين من ضغوط السلطة، ويرفع قبضتها عن أعناقهم، ويمكنهم من اتباع تقاليد وأدبيات مهنتهم، أما الثانى فهو مجرد تغيير أشخاص بآخرين، لتظل القوانين والأوضاع التى تحكم هذا النوع من الإعلام قائمة على ما هى عليه، ولأنه فى جوهره نوع من الفاشية تسعى لإرهابهم وتخويفهم.. وينتهى غالبا بأن يكون الذين يروجون له من الصحفيين والإعلاميين ضمن قوائم الذين يطالبون بتطهيرهم. باختصار ووضوح: تحرير الإعلام شعار ثورى. أما تطهير الإعلام فهو شعار فاشى!.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

samah

تحرير الشعب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة