صلاح عيسى

شعبية وحرامية.. وثوار وبلطجية.. وأعيان ومومسات

الخميس، 23 فبراير 2012 09:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أثناء المعارك، التى دارت أخيراً فى محيط مبنى وزارة الداخلية المصرية، بين المتظاهرين الذين أحاطوا بالمبنى يحتجون على ما وصفوه بإهمال - أو تواطؤ - الشرطة فى تأمين مباراة كرة القدم بين النادى المصرى والنادى الأهلى، مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات، وتبادل إطلاق قذائف الطوب والقنابل المسيلة للدموع بين الطرفين، واتهام كل منهما للآخر بأنه هو الذى بدأ بالعدوان، وبكسر تفاهمات وقف إطلاق الطوب وسحائب الدخان، تكررت ظاهرة النداءات التى توجهها شخصيات عامة سياسية ودينية وثقافية إلى الثوار المتظاهرين تطالبهم بالانسحاب من محيط الوزارة إلى قاعدتهم الثابتة فى ميدان التحرير، وبذلك لا يبقى فى ساحة المعركة إلاّ «البلطجية» الذين يقول عنهم الثوار، إنهم اندسوا بين صفوفهم، ليمارسوا أعمال العنف بهدف تشويه سمعتهم، بينما هم يمارسون حقا ديمقراطيا مشروعا هو حق التظاهر السلمى.. وآنذاك يمكن التمييز بين الثوار والبلطجية.
ولم تكن هذه أول مرَّة تتوجه فيها مثل هذه النداءات للفصل بين «الثوار» و«البلطجية»، فقد حدثت قبل ذلك فى معارك «محمد محمود» و«مجلس الوزراء».. ومعارك أخرى سبقتها أو تلتها فلم يستجب أحد لها، ولم يتوقف الخلط المستمر بين «الثورجية» و«البلطجية».
وظاهرة التداخل بين «الثوار» و«البلطجية» ظاهرة عرفتها كل الثورات والانتفاضات الشعبية، بما فى ذلك المصرية والعربية منها، وخاصة التى تفتقد القدر الكافى من التنظيم والوعى، وتعتمد على الانفجارات الشعبية العفوية، إذ تنتهز شرائح من المجرمين المحترفين أو المواطنين الأكثر حرمانا، فرصة المواجهة بين الشرطة والثوار، لكى تمارس عمليات السلب والنهب وخطف الرهائن وسرقة السيارات وإعادتها بعد دفع الفدية، أو تنفس عن سخطها بحرق المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة والمبانى الحكومية.. وفى أحوال ليست نادرة، تمارس هذه الأعمال شرائح غير واعية من الثوار أنفسهم انطلاقا من رؤى ثورية فوضوية يرى أصحابها أن أفضل أسلوب للتغيير هو تدمير كل ما هو قائم.. سواء كان صالحاً أو طالحاً.
ومن مشاهد التداخل بين «الثوار» و«البلطجية» التى لم تغادر الذاكرة المصرية بعد عمليات التخريب التى حدثت أثناء انتفاضة 18 و19 يناير 1977، حين خرج طلاب الجامعات والعمال فى مظاهرات سلمية احتجاجاً على رفع أسعار سلع الاستهلاك الشعبى، وسرعان ما اختلطت هذه المظاهرات بعمليات نهب وتخريب وحرق وتدمير، قامت بها جحافل من أطفال الشوارع وسكان المناطق العشوائية، وهو ما استغله الرئيس «السادات» للتشهير بالانتفاضة، التى ظل حتى نهاية عهده يصفها بأنها «انتفاضة حرامية»، ويندد بكل من يصفها بوصفها الحقيقى وهو أنها «انتفاضة شعبية».
وعلى الرغم من تكرار هذا الاختلاط بين الانتفاضة الشعبية، وانتفاضة الحرامية، وبين الثوار والبلطجية، وتكرر نداءات أولاد الحلال بالفصل بين الاثنين، فإن أحداً لم يتنبه حتى الآن إلى أن تحقيق ذلك رهين بأن تتحول الثورة من عمل عفوى غير واع إلى عمل علمى منظم، يسعى لحشد الجماهير وتوعيتها وتنظيم مبادراتها الثورية، ويقودها لتحقيق أهداف محددة فى التوقيتات الأكثر ملاءمة، ويحمى العمل الثورى من تسلل المخربين والفوضويين.
وإلى أن يتنبه الجميع إلى ذلك، فسوف تتكرر المآسى التى تترتب على ظاهرة التداخل بين الثوار والبلطجية، وتتحول أحيانا إلى مساخر.. كتلك المسخرة التى كان بطلها مأمور مركز شرطة منفلوط-أحد مراكز محافظة أسيوط-فى ثلاثينيات القرن الماضى.
والحكاية كما رواها «يحيى حقى» - الذى كان يعمل آنذاك معاونا للإدارة فى هذا المركز - فى مذكراته التى نشرت بعنوان «خليها على الله» -تقول إن المأمور تلقى ذات يوم إشارة تليفونية من رئاسته فى عاصمة الإقليم، تخطره بأن القطار الملكى الذى يقل «الملك فؤاد» فى طريقه إلى أسوان، سوف يمر بعدد من محطات القطارات كان من بينها محطة منفلوط، ومع أن برنامج الرحلة أكد أن القطار لن يتوقف فى أى من هذه المحطات، إلاّ أن المأمور رأى أن تقام الزينات وأن يصطف على رصيف المحطة أكبر عدد من أعيان المركز وأهله، وتلاميذ المدارس وموظفى الدواوين وعُمدَ القرى التابعة له، حتى إذا تصادف وقرر جلالته أن يطل من نافذة القطار أثناء مروره بمحطة «منفلوط»، عرف أنه قام بالواجب، وفى آخر لحظة همس فى أذنه أحد معاونيه، بأن مأمور شرطة المركز المجاور، قد رتب بحيث يستقبل القطار الملكى فى محطته ويودع بالزغاريد.
وأسقط فى يد المأمور، لأن منفلوط مدينة صعيدية محافظة لن تقبل امرأة واحدة من نسائها الأحرار، أن تخرج وتزغرد، حتى لو كان ذلك احتفاءً بجلالة الملك ذات نفسه.. وبعد تفكير ومشاورات، تذكر المأمور أن مركزه تتبعه نقطة للمومسات، تشرف على تنظيم أمور العاملات بهذه المهنة التى كان معترفاً بها قانونا آنذاك، فقرر أن يستعين بهن، وأمرهن بأن يرتدين ملابس سوداء من باب الوقار، وخصص لهن على رصيف القطار مكانا بعيداً عن المكان المخصص للأعيان، وأجرى بروفة على الزغرودة الجماعية التى تنطلق من أفواهن، بمجرد أن يتلقين الإشارة من ضابط المباحث!.
وقبل دقيقة واحدة من دخول القطار إلى المحطة، ساد الهرج والمرج، بسبب تنافس الجميع فى الاقتراب منه لعلهم يحظون برؤية طلعة جلالته البهية، فاختلط الواقفون من أعيان ومومسات بعضهم البعض، وأفلت النظام وباظ الترتيب، وهاج المأمور، لخشيته من أن يضيع مجهوده لتنظيم الاستقبال هدراً، فوقف كأنه قائد فى ميدان يصرخ صرخة الحرب، ويلوح بيده اليمنى مشيرا لليمين، وباليسرى مشيرا لليسار ويزعق بأعلى صوته قائلا: الأعيان هنا.. والمومسات هنا!
وهو دور أتمنى أن أتقمصه، كلما سمعت عن اختلاط الثوار بالبلطجية فى ميدان التحرير.. وفى محيط وزارة الداخلية وتصاعدت نداءات أهل الخير، تطالب بالفصل بين الطرفين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

نور العالم

دعوه لمعرفه الحق..

عدد الردود 0

بواسطة:

م.يوسف

نعم و لكن

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل صدقى

ثمار الخوف

انت مصدق روحك يا استاذ وكلنا عارفين اللى فيها

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

البلطجيه هم الثوار انفسهم أمثال حراره وعلاء و.... الخ

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة