سعد هجرس

الترحيل القسرى لـ«النهضة» من مصر.. إلى القرون الوسطى

الأربعاء، 15 فبراير 2012 03:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نفاخر دائما - وعن حق - بأن الأيام الثمانية عشر المجيدة الأولى من أيام ملحمة الثورة المصرية أثبتت أن المعدن الوطنى المصرى معدن نفيس، وكان أحد شواهد ذلك أن تلك الأيام التى «تبخر» فيها جهاز شرطة حبيب العادلى لم يحدث فيها نزاع طائفى واحد، ولم تتعرض فيها كنيسة أو جامع لواحد من تلك الحوادث السخيفة والمشبوهة التى تعودنا على اندلاعها بين وقت وآخر فى ظل قوة القبضة الأمنية القمعية.

ولم تختف الفتنة فقط بل حلت محلها صور بديعة ورائعة للإخاء الحقيقى - وليس المصطنع - بين المصريين مسلمين ومسيحيين، وأذهلنا العالم بمشاهد صلاة المسلمين فى ميدان التحرير تحت حراسة إخوانهم الأقباط وعناق الترانيم المسيحية مع التواشيح الإسلامية تحت قصف القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحى والمطاطى لجحافل الأمن المركزى، وكانت هذه المشاهد المبهرة إحدى ثمار ثورتنا العظيمة التى رفعت شعارات ترفض التمييز بين المصريين، بسبب الدين أو الأصل أو الفصل أو العرق أو اللون أو المكانة الاجتماعية.

وحتى عندما سارت الأمور فى طريق مختلف سقطت ثمارها فى حجر فصائل الإسلام السياسى، إخوانا وسلفيين وجهاديين، سارعت بعض رموز هذا، لجأت إلى التأكيد على فكرة محددة خلاصتها أن الشريعة الإسلامية كفيلة بالحفاظ على حقوق غير المسلمين.

كل هذه التطمينات الكلامية تبخرت على أرض الواقع، مرة فى أطفيح حيث تم هدم كنيسة لأول مرة فى التاريخ الإسلامى، ومرة فى قنا حيث تم قطع أذن أحد المواطنين الأقباط على يد أشخاص ينتحلون لأنفسهم مرجعية إسلامية، ومرة فى إمبابة حيث تم إضرام النيران فى كنيسة وتخريب منشآت وممتلكات لمواطنين أقباط بسبب فتاة قبطية أحبت شاباً مسلماً، ومرة فى ماسبيرو حيث تم دهس عشرات المتظاهرين الأقباط بالمدرعات.. وأخيرا - وهذه هى المفارقة - فى قرية تحمل اسم «النهضة»، ففى هذه القرية حدث ما يخالف النهضة بكل معانيها، حيث تفجر فصل جديد من فصول الفتنة الطائفية بسبب مغامرة عاطفية - أيضا - بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة. لكن الجديد هذه المرة هو طريقة «العلاج» - فبعد الحرق والتخريب والسلب والنهب للممتلكات تم اللجوء إلى «محكمة عرفية» وكأننا عدنا قرونا إلى الوراء حيث لا قانون ولا محاكم حديثة. والأعجب أن هذه «المحكمة العرفية» أصدرت «حكماً» أغرب من الخيال هو التهجير القسرى لثمانى عائلات مسيحية من القرية والأكثر غرابة أن السلطات الرسمية - بما فى ذلك قيادات محافظة الإسكندرية - وافقت على هذه الإجراءات التى تنتمى إلى القرون الوسطى.

والموضوع خطير بالفعل ويمثل تهديداً للسلم الأهلى والعيش المشترك والاندماج الوطنى، وهو بهذا المعنى يتطلب تحركاً جاداً ليس لمعالجة مشكلة «التطهير الدينى» التى يواجهها عدد يزيد أو يقل من إخواننا الأقباط، وإنما لوقف هذا المسلسل الدموى الذى لا تتوقف حلقاته.
ولعل إخواننا أعضاء حزب الحرية والعدالة الإخوانى وحزب النور السلفى وغيرهما من فصائل تيار الإسلام السياسى يدركون أن القضية أخطر من التعامل معها بطريقة النظام السابق، سواء بتبويس اللحى أو كنس الخلافات تحت السجادة فلا بديل عن أن يكون هذا الوطن محلاً للسعادة المشتركة يقوم على مبدأ المواطنة وعلى مساواة المواطنين أمام القانون، وهذا هو ألف باء الدولة الحديثة التى لا مكان فيها لمحاكم عرفية وأحكام شاذة تجعل الإنسان غريبا فى بلده.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة