معصوم مرزوق

كشف المستور فى فتنة الدستور

السبت، 29 ديسمبر 2012 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما أشار هيكل الأسبوع الماضى إلى صعود النازية، تذكرت إشارة قديمة فى أحد مقالاتى لنفس الموضوع، وكنت قد كتبته دون أن أتصور مدى اقترابها..الفاشية الوطنية لا تختلف عن الفاشية الدينية، بل إن الأخيرة أكثر وحشية، ولعلنا نتذكر أن البابا أوربان الثانى الذى تبنى الحملة الصليبية وروج لها، كان السبب فى الدماء التى أريقت ليس فقط بين المسلمين واليهود فى الشام، بل بين المسيحيين فى شرق أوروبا.. وفى تاريخنا أيضًا الكثير مما نخجل منه. تبرز الفاشية غالبًا كمحاولة لتأميم الصراع الطبقى «إذا صح استخدام المصطلح»، إلا أن ذلك لا يحسم هذا الصراع إلا وقتياً وبأثمان فادحة.. لقد قيل- وهو صحيح- إن مصيبة الأوليجاركى على مر التاريخ أنه لا يدرك هذه المصيبة إلا بعد فوات الأوان، وبأخذ بعض الظروف المختلفة فى الاعتبار فإن السيناريو الأول المحتمل قد يشبه إيران.. السيناريو الثانى قد يشبه لبنان، وهناك سيناريو ثالث قد يشبه باكستان.. وإن كان ذلك لا يستنفد كل الصور، وربما يكون ضحايا بعض هذه الصور القاتمة قادة الإخوان المستنيرين أنفسهم، إذا تمكن غلاة السلفيين والمتشددون من إحكام سيطرتهم، لذلك فإنه ينبغى على شباب الثورة التواصل مع شباب الإخوان، وفيهم خير كثير، ويجب الاصطفاف معهم بقوة ضد الاستبداد والانغلاق.
قبل التوجه إلى الصناديق فى الأسبوع الماضى، كانت فرصة هزيمة مشروع الدستور كبيرة على ضوء الزخم الشعبى المعارض الذى خرج إلى الشوارع محتجا على الأسلوب الديكتاتورى للنظام، إلا أن عدم حسم خيار جبهة الإنقاذ مبكرا، فوّت الفرصة على التنظيم والحشد الجيد للتصويت بـ«لا»، فقد كانت هناك معارضة شديدة من الشباب على أساس توقعهم بتزوير التصويت، كما ترددت شائعات بشأن استخراج مئات الآلاف من الرقم القومى للنساء فى القرى، وذلك تنفيذا لتوجيهات قادة الإخوان، كان الخيار ما بين مقاطعة واسعة تفقد عملية الاستفتاء مشروعيتها وتفوّت على النظام تثبيت شرعيته، وبين التصويت السلبى الذى لو أسقط الدستور فستسقط معه إلى حد كبير هيبة النظام، ولكن كانت هناك أيضاً المخاطرة بأن التزوير قد يؤدى إلى العكس، وبعد حوار ديمقراطى اختارت جبهة الإنقاذ المشاركة فى التصويت بـ«لا»، وإن أتى ذلك متأخرا. الحقيقة أن المشكلة لم تكن ما إذا كان التصويت سيتم تزويره أم لا، فمن الثابت أن الإخوان والسلفيين لديهم تنظيمات جيدة فى كل أنحاء مصر تقريبا، مع تمويل هائل لا يمكن للقوى المدنية مضاهاته.. لذا فقد رأت بعض قوى المعارضة أنه ينبغى التركيز على محاولة النجاح فى الحشد والضغط لإسقاط الإعلان الدستورى ومشروع الدستور نفسه، أو على الأقل كسر شعور الإخوان بالتفوق من خلال إرغامهم عن طريق الضغط والتفاوض على تأجيل التصويت ولو لمدة شهر، وإعادة فتح الوثيقة لتعديلات جديدة حتى ولو كانت مجرد تعديلات هامشية. أثناء تلك الفترة، قامت الرئاسة بالدعوة للحوار، ورغم أن جبهة الإنقاذ كانت الأكثر رغبة وقدرة طول الوقت لمد الجسور، ولم تتوقف جهودها لبناء الحوار على أسس سليمة، فإن الردود أوضحت أن هناك فخًّا مرتبا يعيد للذاكرة مجالس الحكماء بعد الثورة مباشرة بنفس الأسماء تقريبا الذين كان عمر سليمان يستخدمهم ومعهم الإخوان للعب دور المحلل مع قوى الشباب الثورية فى الميدان، ويبدو أن الجبهة أدركت أن التماشى مع هذه الطبخة يعنى الإسهام فى صناعة الديكتاتور، فاختارت البقاء خارج هذا الحوار المفرغ من المحتوى حتى تحافظ على تماسك جبهة معارضة قوية تحتفظ بمصداقيتها، ولها قطاع كبير من الجماهير. وقد لاحظ المراقبون تحركا محموما للسفارة الأمريكية فى القاهرة، بل نزلت السفيرة الأمريكية آن باترسون بنفسها كى تتجول بين مراكز التصويت، وتوالت الرسائل من واشنطن، يكشف تحليل مضمونها أن هناك تكليفات معينة، خاصة إذا علمنا أن عصام حداد مستشار الرئيس للشؤون الخارجية وكذلك القيادى الإخوانى عصام العريان اختارا أن يكونا فى أمريكا أثناء ذلك، بما قد يشير لتدخل أمريكى فى معركة الاستفتاء. وكان بروز موقف الجيش أيضاً أثناء هذه الفترة من خلال بيانات تحمل العديد من التفسيرات مثيرا للقلق، خاصة إذا تم الربط بين ذلك وبين ما تردد من وجود اتصالات أمريكية مع بعض القيادات، وتساءل البعض عن فحوى هذه الاتصالات، ودورها فى مستقبل الحياة السياسية المصرية، فهل كان كل ذلك محاولة لإضاءة بعض الأضواء الحمراء أمام قيادات الإخوان حتى تفرمل توجهها الاستبدادى الواضح، أم كان تشجيعا لهم لمواصلة هذا النهج؟ ربما كانت كل هذه القراءات غير صحيحة، ولكن لم يعد هناك شك فى أن واشنطن بدأت تشعر بالقلق ليس فقط للتصاعد المستمر لتيار الإسلام المتطرف، وإنما لاكتشافها قلة الخبرة السياسية للإخوان المسلمين، فمن المعلوم أن أمريكا اهتمت فى تقوية الجسور مع الإخوان كى تتصيد حفنة عصافير بحجر واحد، فمن ناحية كانت تظن أنه يمكن كبح جماح ما يسمى بالإرهاب الإسلامى من خلال تصعيد تنظيم الإخوان المسلمين الذى تتفهم منذ سنين أنه تنظيم براجماتى توافقى يسعى إلى السلطة، ومن ناحية أخرى كان فى تقديرها أنه يمكن استخدام الإخوان كرأس حربة سنية لبناء تحالف إقليمى ضد إيران وربما بذر فتنة صراعات مذهبية، ويبدو أن ذلك التقدير أثمر بشكل معقول حين لعبت الإدارة المصرية الجديدة دورها المطلوب فى السيطرة على حلفائها من إخوان غزة خلال الأزمة الأخيرة.. إن معركة الدستور لم تنته، ومن المحزن أن المعركة ستكون أطول من المتوقع، وأن بعض خفافيش الظلام سوف تلجأ إلى التعامل الخشن، فلن يتركوا الفرصة تفلت من بين أصابعهم، وللأسف يدفع الشباب الطاهر من دمه ثمن هذه الممارسات الشيطانية.. ولكن لا بد من التنبه إلى أنه لا بديل عن التمسك بالاعتراض السلمى، لأن أقوى سلاح فى مقاومة العنف هو أن تتفوق على الخصم أخلاقيا.. ولسوف يلفظ الشعب المصرى تلك المظاهر الشاذة طال الزمن أم قصر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة