محمد إبراهيم الدسوقى

البناء أو الدماء

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012 12:40 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لنحكى قصتنا من بدايتها، حتى نفهم ونقدر ونعى ما آلت إليه أحوالنا وما ينتظرها من عثرات ومطبات فى مقبل الأيام.

ثار الشعب المصرى المظلوم على نظام جائر مستبد، وأزاحه من طريقه متسلحًا بجرعات غير مسبوقة من الأمل والتفاؤل فى إعادة بناء وترميم ما هدمته سياسات حسنى مبارك ورجاله غير الحصيفة، وبنى المصريون حساباتهم ومعادلاتهم على أن البناء سيكون شعارهم المرفوع فوق الأعناق، وأنه فور استقرار حال البلاد سينطلقون بكامل طاقاتهم فى اتجاه التشييد.. غير أنهم أصدموا بالمجريات على أرض الواقع، خلال المرحلة الانتقالية، التى تولى فيها المجلس العسكرى تسيير دفة شئون مصر.. حينئذ استيقظنا من أحلام البناء والوعود الوردية لمستقبل أفضل على حقيقة أن البناء لم يعد الهدف المجمع عليه الكافة، حيث دب الشقاق والخلاف بين المصريين الذين انقسموا إلى فريقين أحدهما يؤيد المجلس العسكرى، الذى سفكت دماء كثير من المواطنين فى عهده، والآخر يعارضه ويصر على استكمال الثورة وإنقاذها من بين يديه، لأنهم رأوا فيه امتدادا لمبارك.

نتج عن ذلك تراجع حديث البناء ليتقدم عليه حق الدم، وامتلأت الساحة بمطالبات للقصاص للشهداء فى محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية وغيرها، وتدريجيا زاد الانقسام ومعه التخبط واتضح ذلك بجلاء، فى أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى.. تولى مرسى السلطة صاحبه جرعة معقولة من التفاؤل فى العودة لمسار البناء، واسترداد أموالنا وحقوقنا المنهوبة، وتوقيع الجزاء العادل على قيادات النظام السابق، لكن وللأسف الشديد تبخر مفعول هذه الجرعة سريعًا، بسبب حرص الإخوان على الانفراد بالحكم وتشكيل المستقبل وفقا لرؤيتهم ومخططاتهم المعدة سلفا وكانت موقعة كتابة الدستور الجديد خير شاهد على هذا التوجه، فضلا عن الأنانية المفرطة المسيطرة على القوى السياسية والثورية والدينية، فهؤلاء بدون استثناء قدموا مصلحتهم ومنافعهم الخاصة على صالح الوطن ومستقبله.

وجرى ما جرى مع أنه كان يتوقع من الدكتور مرسى وصحبه العمل على لم الشمل وتقليل الفجوات الفاصلة بين الأطياف المشكلة للساحة السياسية، إذ كيف يتسنى بناء دولة جديدة مع استمرار التشرذم والاختلاف على كل شىء؟ فمن النادر العثور على قضية موضع وفاق بين المتصارعين على كرسى حكم مصر، إلى أوصلنا مرسى وجماعته للأزمة الناشبة حاليا وتسببت فى اندلاع حرب شوارع بين المؤيدين والمعارضين، واقتربنا خطوات من شفا حرب أهلية، بسبب الإعلان الدستورى، الذى باغتنا به الرئيس الذى كان عليه إمعان النظر فيه والتشاور بشأنه مع أهل الاختصاص.النتيجة الطبيعية لهذا الجو غير الصحى كان سفك مزيد من دماء المصريين سواء كانوا ينتمون للإخوان أولجماعات مناوئة لهم فلا فرق فالقتيل فى النهاية يحمل الجنسية المصرية.

بناء عليه لم يعد هناك حوار عن البناء والتنمية فالكل مشغول بقضية الدم فى زمن الثورة، فاللون الأحمر القانى بهت على حياتنا ولم نعد نرى سواه، وذاك فى تقديرى من أخطر ما يكون، وإذا سمحنا باستمراره فسوف نبكى وقت لا ينفع الندم فيه. ولكى تستقيم الأمور فإن ما نسعى إليه ليس التنازل عن حق الشهداء أثناء الثورة وبعدها، وإنما أن نتوقف عن المهاترات والمكائد وأن نعلى من قيمة المصلحة العامة، فالدماء لن تقود إلا لدماء وللخراب العاجل، الذى سيكتب علينا جمع حصاده المر لسنوات طويلة قادمة.

وليس عيبًا أو حرامًا أن يعترف مرسى بأنه قد ارتكب خطأ كبيرًا، ويعيد النظر فيه، فالحل ليس فى إخراج مظاهرات تهتف له وللإخوان، ردًا على اعتصامات ومسيرات المناهضين والرافضين لإعلانه الدستورى، لأنه بهذا يكرس الانقسام والفرقة بين المصريين الذين يحتاجون إلى ما يقربهم من بعضهم البعض، وأن ينسوا برهة الولاء لجماعة أو تيار يؤمنون بأفكاره ومبادئه. ياأعزائى أن ما وقع فى بلادنا من أحداث مؤسفة أبان الأيام الفائتة ليس سوى إنذار أخير بأننا نسير على درب الهلاك والندامة، وأنه يتوجب علينا المفاضلة ما بين البناء أو الدماء، وتذكروا أن التاريخ لن يحرمنا أن أسأنا الاختيار.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

يحيي رسلان

البناء العلماني او الخراب والدماء

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد العزيز

صدقت فيما يخص العسكري و كذبت في شأن الإخوان

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة