د.محمد محسوب

من المسودة الأولية إلى دستور مصر

الخميس، 25 أكتوبر 2012 03:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نُشرت المسودة الأولية لمشروع الدستور مكونة من 231 مادة وموزعة فى خمسة أبواب، مع تنبيهات ثلاثة لقارئها وهى: أن المسودة أولية ولم يراع فيها الترتيب ولا التنسيق، وأنها مطروحة للنقاش داخل الجمعية وللحوار المجتمعى خارجها، وأنه لم يتم الانتهاء من وضع الأحكام العامة أو ديباجة الدستور.

وكان القصد من إنجاز هذه المسودة أن يكون لدى المتحاورين إطار واضح للعمل، بحيث يبدى كل شخص رأيه فى هذه المادة أو تلك أو ذلك الباب أو غيره، سواء بتأييد المعنى أو بتعديله أو بحذف ما يعتقد خطئه تماما، وبذلك نخرج من مرحلة تقاذف الآراء فى الهواء إلى مرحلة تبادلها مكتوبة وواضحة ومحددة. غير أن البعض فضّل أن يتلقى هذه المسودة باعتبارها عملا نهائيا ومنتجا أخيرا للجمعية التأسيسية بما يسمح له من رفضها من بدايتها لنهايتها أو ليعلن مواقف سياسية حيالها معتبرا كل ما جاء فيها منتجا سيئا لا يستحق قراءته أو ملامسته أو السماع عنه.

والحقيقة أن التواصل حول ما جاء بالمسودة جاء استكمالا لطريقة تخاطب القوى السياسية فى مصر بطريق البيانات لا الحوارات والشجب والشجار لا الاستماع والنقاش، واستمرت قطارات الوطن تسير جميعها فى طرق متخالفة مهددة نفسها والوطن بوقوع تصادم مروع سيكون فيه الكل خاسرا.

لكننا لو تدبرنا، لاكتشفنا بقليل من الجهد، أن الحوار لا يمكن أن يجرى فى فراغ، فكان واجبا على جهة ما، خصوصا الجمعية التأسيسية، أن تطرح رؤية للتحاور بشأنها، ولتكون ورقة عمل النقاش المجتمعى حول مشروع الدستور. فلو كان قصد الجمعية التأسيسية أن تطرح مشروعا نهائيا أو كانت تنوى الاستئثار بما انتهت إليه على اعتبار أنه أعظم المنجزات وأسمى الأفكار، لما جعلت نفسها عرضة للنقد واللكم والبهدلة من اليمين والشمال، ولكانت فعلت كما فعلت لجان اقترحت دساتير سابقة، فلم ير الناس نقاشاتها ولم يعلموا بإنجازها إلا عند طرح عملها للاستفتاء.

هذه الجمعية بتوافقها المنقوص وبما تحويه من حسن وقبح، أخذت على نفسها أن تتلافى بعض عيوبها بأن تكون منفتحة على مجتمعها، وآثرت أن تنشر عملها أولا بأول، بغثه وسمينه وحلوه ومره، ليتابع الناس نقاشاتها وليشترك المجتمع فى تصويب الخطأ وتقويم المعوج. وهى إنما فعلت ذلك لعلمها بأنها غير مفوضة بأن تعبر عن آراء الناس، وإنما لتنظم تداول تلك الآراء وانعكاسها فى مواد الدستور، ولأنها تعلم أنها لا تستقل بوضع الدستور وإنما تنظم مشاركة الجميع فى هذه المهمة.

الآن تحتاج الجمعية لأن تنفتح أكثر على محيطها وعلى القوى السياسية الأخرى، وأن تعينها المؤسسات والأحزاب والنقابات والجامعات بتصويب ما يرون تصويبه. ولا يتحدثن أحد بأن الجمعية كان يجب أن تكون لجنة فنية تجمع أفضل الخبراء فى المجال الدستورى، فهذا هو وصف اللجان التى تعينها سلطة تنفيذية لوضع دستور، أما الجمعيات التأسيسية فهى تمثيل للتفاوت القائم فى المجتمع، تفاوت فى الآراء وتفاوت فى المشارب، وتفاوت فى الثقافة، وتفاوت فى الأوضاع الاجتماعية، وهو ما يجعلها صورة للمجتمع باتساقه واضطرابه وعقلانيته وسخريته وحكمته وطيشه.

والمرحلة الأخيرة لوضع مشروع الدستور هى تلك التى ستطرح خلالها التأسيسية نتاج عملها بيد لجنة الحكماء أو الخبراء الاستشاريين، وهم من الأسماء اللامعة من أهل الفن الدستورى أو الرأى العلمى والاجتماعى والسياسى والأدبى والاقتصادى، ليتم ضبط مشروع الدستور على وجه علمى قويم يليق بمصر وثورتها.

وقبل ذلك، أرجو أن يكون لى بعض الحق فى أن أناشد أصحاب الرأى فى هذا المجتمع، والأحزاب السياسية والتحالفات التى نتمنى لها الخير كله، والجامعات والمراكز الأكاديمية أن تساعد التأسيسية بتقديم رؤاها وتصوراتها حول المسودة المطروحة، وأوجه القصور فيها، وكيفية تلافيها، وما فات المسودة وكان يجب أن يكون ضمن نصوصها، وما تضمنته ولم يكن جائزا أن تنص عليه. فمثل هذا العمل وحده هو ما يفتح الأفق أمام تحول ديمقراطى حقيقى لبناء الدولة التى نحلم بها.

وربما أن اللغط حول المسودة الأولية يجعلنا ننتقل إلى مرحلة تعاون الجميع مع التأسيسية لإخراج دستور راق، طالما أقرت الجمعية بأنها لا تنفرد بعمل ولا تدعى أنها تمثل توافقا تاما ومثاليا، وإنما تسعى لتحقيقه بالتواصل مع كل عناصر المجتمع، فلا يمتنعن أحد عن معاونتها لأنه واجبه الوطنى الذى لن يغفر التاريخ النكوث عنه، كما هو واجب التأسيسية أن تكون مكشوفة على مجتمعها وأن تقبل ما يوجه إليها من نقد مهما بلغت قسوته، لأنه من يقبل تمثيل المجتمع فى شأن يقبل ابتداء نقده ويلتزم، ثانيا، بالتعبير عنه لا عن وجهة نظره الشخصية أو وجهة نظر حزبه السياسى أو وجهة نظر فصيله أو فئته الاجتماعية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى مغترب

كلام موضوعى وعقلانى ... ولكن لمن ؟ لاولى الالباب

مقال ممتاز يا دكتور

عدد الردود 0

بواسطة:

عزت المصرى

ليتك تعود الى ضميرك الانسانى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة