د. محمد على يوسف

عودوا من حيث أتيتم

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012 03:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قالها متأففا وهو يحدق فى لحيتى بامتعاض.. قلت: ومن أين أتينا؟ هل ترانا قد تسللنا من دولة أخرى؟ أم هبطنا عليكم من الفضاء؟! قال متجهما: عودوا إلى مساجدكم.. فى دهشة قلت: أوليست مساجدكم كذلك؟! ومن قال إننا قد تركناها لنعود إليها؟! ألا فليعد إليها من تركوها وهجروها.

قال متسائلا: ما لكم أنتم وأمور الدنيا؟! أنتم أهل دين، فدعوا الدنيا لأهلها، لماذا تدخلون الدين فى كل شىء؟!

قلت: ديننا الذى نعرفه، ولا نعرف غيره، صلاة، ونسك، ومحيا، وممات، وجهاد، ودعوة، وعلم، وعمل، وعقيدة، وسلوك، وحُكم، ودولة، وإصلاح ما استطعنا.. أما قاعدة الفصل «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، التى هى مرجع شبهتكم، ومنتهى رغبتكم، فلسنا نعرفها فى ملتنا، فهلا دللتمونا على مكانها، وموضع الاستدلال بها؟

قال بسرعة: ألم يقل النبى «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»؟

قلت: بلى لكن هلا ذكرت الحديث بتمامه مشكورا، لقد قال النبى ذلك فى معرض الكلام عن نصيحة نصحهم بها من منطلق الظن البشرى، ووضح ذلك فى أول الحديث حين رأى قوما يلقحون النخل فقال: «مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا».

ثم ظهر أكثر فى توضيحه بعد ذلك: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّى إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلاَ تُؤَاخِذُونِى بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّى لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وزاد فى رواية حماد بن سلمة «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، وها هنا تفريق واضح بين مقام التشريع الذى لا مجال فيه للظن، وبين رأى قاله النبى بمقتضى بشريته، فالحديث ليس فيه نهى أو أمر أو سنة أو ندب، وقد قال منذ البداية «ما أظن» ولم يقطع.

قال بعصبية: ومن أنتم لتتحدثوا باسم الدين، وتحلوا وتحرموا كيفما شئتم؟ قلت: ومن قال إننا نتحدث باسم الدين أو نشرع بدلا من الله؟ ومن يجرؤ أن يقول ذلك؟ إن علمت أحدا يزعم هذا الزعم، فدلنى عليه لأوبخه وأبرأ من فعله فورا، فديننا ليس دين كهنوت، ولا أحد يوحَى إليه من الله بعد الأنبياء. إنما نحن قوم نؤمن أن إجابة السؤال الربانى «ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» هى: لا أحد. فنعتقد أن الخير كله فى شرعه المنزه، وحكمه المنزل، وهذان موجودان بين أيدينا وأيديكم فى كتابه وسنة رسوله الصحيحة.

قال: ولكنكم شوهتم صورة الدين، أم أذكرك بفضيحة فلان وفلان؟

قلت: يا عزيزى كل نفس بما كسبت رهينة، ألم تسمع يا أخى قول ربك: «ولا تزر وازرة وزر أخرى»؟! وهل من الإنصاف أن تعمم السيئة، ويعاقب المرء بذنوب اقترفها غيره؟ ثم قل لى بربك هل علمت تيارًا سُلط عليه الضوء بهذه الطريقة الرهيبة، وضخمت أخطاء أتباعه لهذه الدرجة؟ وهل تظن أنه لو حدث ذلك مع التيارات الأخرى ستكون النتائج مختلفة؟ هلا دللتنى على أولئك المعصومين بيننا ممن لا يزلون ولا يذنبون؟ قال: وماذا عن الاختيارات الخاطئة، والمواقف السياسية غير الموفقة بعد الثورة وقبلها؟

قلت: لقد سبق أن أعلمتك أنه لا عصمة بعد الأنبياء، والاجتهاد فى الخيار السياسى نسبى، وأنا أُسلِّم بحدوث أخطاء، وأرى أن بعضها فادح، لكنها فرقا بين عصمة المنهج وبشرية التطبيق، والحل ليس الإقصاء، وإنما الإصلاح والنصح، أما المنطق الذى يطرد المخطئ لمجرد رأيه أنه أخطأ فهو منطق ديكتاتورى إقصائى معيب، أربأ بفطنتك عنه. قال: ولماذا لا تنزهون الدين عن دنس الدنيا، وتعودون إلى منابركم ودعوتكم التى قصرتم فيها؟

قلت: لا أُسلِّم لك بهذا التقصير الذى تُعمِّمُه، وإن سلمت به جدلا فهل يقابل التقصير بتقصير؟ لقد أوضحت لك أننا نعتقد أن ديننا شامل لكل ميادين الحياة، فهل نقصِّر فى ميدان لنصلح فى آخر؟ أم نسدد ونقارب كما أمر ديننا؟ سكت قليلا ثم نظر إلى متأففا وقال: عودوا من حيث أتيتم. قلت من جديد: ومن أين أتينا؟!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

mervat

مقال غريب

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء عاشور

احزاب توك شو

عدد الردود 0

بواسطة:

M.SHABAN

بل ابقوا واثبتوا

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد كريت

جزاك الله خيرا يا دكتور ،،

جزاك الله خيرا يا دكتور ،،

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود

لو فعلتَ كذا لكان حسنا

عدد الردود 0

بواسطة:

د. رمزي أحمد عسكر

دولة واحده متقدمة حضاريا!

عدد الردود 0

بواسطة:

إسلام حشيش

الله عليك

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد عبد الإلاه

جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

د.محمد على يوسف

إلى الأخ الفاضل أحمد عبد الإلاه

عدد الردود 0

بواسطة:

صـفـوت صـالـح الـكـاشف / الـقــــــاهـرة

////////// ردا على تعقيب رقم 8 عبد الإله //////////

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة