صلاح عيسى

ومن «الفشر الثورى».. ما قتل

الأربعاء، 04 يناير 2012 04:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الأسبوع الماضى فُتَّك فى الكلام دون أن أكمل حديثى عن ظاهرة المعر الثورى، لولا أننى رأيت على شاشة إحدى الفضائيات معاراً ثورياً، يعلن أنه أسس منظمة فدائية سوف تقوم باحتلال السفارة الأمريكية فى القاهرة، بحثا عن وثائق التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى المصرى، فوجدت أن من واجبى أن أستدرك ما فات.

ذلك نوع من الفشر الثورى غير الحميد، الذى يسعى قائله للبحث عمن يمنعه من النضال، فهو يبلغ عن نفسه مقدماً، حتى تمنعه الحكومة من تنفيذ فشرته، فيطول بذلك بلح الشام الذى هو إشادة الدوائر الثورية بنواياه النضالية، وعنب اليمن الذى هو ميدالية الرئيس «أوباما» للحماية المدنية.

وأشهر أنواع هذا اللون غير الحميد من الفشر الثورى، هو المعر الثورى العاطفى، وهو يحدث عادة فى بدايات علاقات الحب بين الشاب والفتاة، إذ يدخل الاثنان فى مباراة عنيفة للحصول على كأس العالم فى دورى المعر الثورى العاطفى، ويقدم كل منهما نفسه للطرف الآخر فى أجمل صورة، من حيث الشكل والموضوع، ويؤلف لنفسه فضائل لم يرتكبها يوماً، ومواهب لم يعرفها فى نفسه من قبل، وهى مرحلة نشيدها الثورى هو أغنية فريد الأطرش الشهيرة: «عش العصفورة يكفينا، ولقمة صغيورة تقضينا»، وهو النشيد الذى يستبدل بعد عدة سنوات من الزواج بنشيد: «كان يوم أسود يوم ما قابلتك».

ومن أعجب نماذج الفشر الثورى التى قرأت عنها فى ملفات القضايا السياسية، أن بعض قادة المنظمات السرية الثورية كانوا يتبعون أسلوب المعر الثورى، كوسيلة لاجتذاب الأعضاء الجدد، فيتحدثون عن أمجاد المنظمة الفشرية فى الماضى، وخططها المعرية فى المستقبل، ولا يكتشفون عاقبة ذلك إلا حين يدير المحقق أمامهم شريط تسجيل بأقوالهم، إنهم كانوا يستعرضون فشرهم الثورى أمام مرشد لمباحث أمن الدولة، ثم يقدمهم للمحاكمة بتهمة الفشر الثورى على هذه المباحث على أنها وحدها هى صاحبة الحق فى الفشر!

من أعجب هذه الوقائع، أن شابا من تنظيم الإخوان المسلمين، الذى كان يقوده المرحوم سيد قطب، امتلأ حماساً بما كان يبثه فيهم من أفكار حول عودة المجتمعات الإسلامية إلى جاهلية، كالجاهلية التى سبقت عهد النبوة، وشعر بأن معركة تحطيم الأوثان قد اقتربت، فجلس يخطط، أو بمعنى آخر يمعر لعمليات مواجهة الطاغوت، واشتعل خياله الثورى وهو يضع أو يتوهم خططاً لقتل «أم كلثوم» و«عبدالوهاب»، و«عبدالحليم» وطابور من المسؤولين والصحفيين ونجوم السينما، وعند القبض على التنظيم، عثرت الشرطة على هذه الفشرة الثورية المعتبرة التى قادت صاحبها مع وقائع أخرى إلى حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة!

وكانت بعض التنظيمات الشيوعية السرية تضم قسما للرقابة، يجمع معلومات عن كل أعضاء التنظيم للاطمئنان إلى أنه ليس بينهم مندسون من أجهزة الأمن، ويجمع كذلك معلومات عن المنظمات الشيوعية المنافسة، تشمل أسماءهم الحقيقية ومجالات نشاطهم للاطمئنان ولتحذير أعضاء التنظيم، باعتبارهم من الخونة وعملاء أجهزة الأمن، إلى أن تقع الطوبة فى المعطوبة، وتقود المصادفة الشرطة إلى ضرب الأرشيف المركزى للتنظيم، وتقع أوراقه فى يد أجهزة الأمن، ليستفيد مما بها من معلومات على «طريقة تكون فى بقك وتقسم للمباحث».

ومن النماذج الدرامية للفشر الثورى الحميد، تمثيلية تليفزيونية قديمة لعلها من تأليف السيناريست المقتدر «محفوظ عبدالرحمن» بطلها كومبارس فاشل - كان يقوم بدوره توفيق الدقن - استأجرته أجهزة الأمن، درسته ضمن مجموعة من المناضلين الثوريين ليتجسس عليهم، لكنه ما يكاد يشرع فى أداء دور الثورى حتى يندمج فيه ويصبح واحدا من الثوار، بل ويصل به الاندماج إلى الحدّ الذى يقرر فيه أن يتحمل مسؤولية ما قاموا به، وينفذ فيه حكم الإعدام!

وكان ياسين عبدالجواد أحد أبطال ثلاثية نجيب محفوظ، يستمتع بأن يؤلف لنفسه تاريخاً ثورياً، ويجد متعة فى الفشر الثورى على زملائه فى حانة النجمة، متحدثاً عن المظاهرات التى دبرها أثناء ثورة 1919، والقنابل التى قذفها على الإنجليز، والرصاصات التى مرت بجوار أذنيه حين كان يسير على رأس المظاهرة مع أخيه، أول شهداء الثورة، واستطرد «ياسين» فاشراً أو ماعراً يقول: إن زعيم الطلبة قدمه إلى زعيم الثورة «سعد زغلول» الذى كان فى طليعة الذين شيعوا جنازة أخيه.

وقاطعه أحد ضحايا فشره سائلاً: وسعد زغلول ألم يقل لك شيئاً فى جنازة أخيك؟
فأجاب عنه ضحية أخرى: قال له ليتك كنت أنت الشهيد!
وشر الفشر الثورى ما يضحك.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

EGPTMEN

الفراغ الأخلاقي

عدد الردود 0

بواسطة:

د / جيمى

مافهمتش حاجة

عدد الردود 0

بواسطة:

عابر سبيل

؟؟؟؟؟؟؟؟؟

روح ياشيخ وماتيجش تانى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة