صلاح عيسى

حرب القسَم بين فسطاطى الثورة

الخميس، 26 يناير 2012 10:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أمضيت يوم الاثنين الماضى، أمام شاشة التليفزيون، أتابع على امتداد ساعات اليوم وقائع جلسة افتتاح الفصل التشريعى الأول، لما سمته الصحف المصرية بـ«برلمان ثورة 25 يناير».. ووصفت اليوم الأول من انتخاباته بأنه «عرس الديمقراطية» ووصل الحماس ببعضها إلى حدّ اقترحت فيه أن يتحول اليوم إلى عيد رسمى تعطل فيه الوزارة والمصالح باسم «عيد عرس الديمقراطية»، وما كادت نتيجة المرحلة الأولى من هذه الانتخابات، تسفر عن فوز كاسح لأحد أجنحة ثورة يناير، وهو تيار الإسلام السياسى وهزيمة كاسحة للجناح الآخر، وهو التيار المدنى الديمقراطى حتى سحبت الصحف الاسمين من عناوين صفحاتها، تجنبا لوجع الدماغ، وحتى لا تقع بين مطرقة الإسلاميين وسندان الليبراليين، وآثرت أن تستخدم عنواناً محايداً وهو «أول برلمان بعد ثورة 25 يناير» فلا هو برلمان الثورة ولا هو «عرس الديمقراطية»، وعلى نحو ما بدت لى جلسة افتتاح برلمان ما بعد ثورة 25 يناير مشهداً من مشاهد هذه الثورة، يتسم مثلها بقدر كبير من العفوية، ويفتقد مثلها للقدر الكافى من الوعى والتنظيم، فمعظم النواب يدخلون البرلمان وربما يمارسون السياسة- لأول مرّة.. ولا يبدو أن أحداً منهم تابع من قبل- سواء بالقراءة أو بالمشاهدة على شاشة التليفزيون- جلسة من جلسات البرلمان، وعلى الرغم من أن بعضهم كان عضواً معارضاً فى برلمانات سابقة إلا أن المناخ الجديد قد أنساه ما اكتسبه من خبرة، لذلك اتسمت الجلسة بدرجة من الفوضى فى التنظيم وافتقدت إلى القدر الكافى من الوقار.. وبدأ الخلل حين أصر أحد نواب «الجماعة الإسلامية» على أن يضيف إلى نص القسم الدستورى عبارة يقيد بها قسمه باحترام القانون والدستور «بما لا يخالف شرع الله»، وهو ما تنبه له رئيس الجلسة، فطلب إليه أن يعيد تلاوة القسم كما هو وارد فى الإعلان الدستورى، بدون أى إضافة أو نقص، وذكّره بأن الإعلان الدستورى ينص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» وبالتالى فإن قسمه باحترام الدستور، ينطوى على الاستثناء الذى أراد إدخاله على القسم، وتردد النائب لحظة، ثم أعاد تلاوة نص القسم كما هو وارد فى الدستور، واستطرد قائلا: أما تعليقى فهو «بما لا يخالف شرع الله» واقتداء بهذه السنّة الثورية الحميدة وعلى طريقة الردّ خالص، وفى إيماءة لا تخطئها أذن، إلى أن الثورة تنقسم إلى معسكرين والنواب يتوزعون بين فسطاطين، لكل منهما قسم دستورى يختلف عن الآخر، أضاف أحد النواب الذين ينتمون إلى الجناح المدنى من الثوار، إلى القسم وهو يتلوه عبارة تفيد قسمه على احترام القانون والدستور، والتزامه فوق البيعة باستكمال تحقيق أهداف ثورة 25 يناير والحفاظ على حقوق الشهداء. وفى مواجهة حرب القسم التى نشبت بين المعسكرين، لم تجد أمانة المجلس حلاًّ، إلاّ بإغلاق مكبرات الصوت بمجرد انتهاء كل نائب من تلاوة النص الدستورى للقسم، لتحول بذلك دون سماع النواب لما يضيفه حضرة العضو المحترم إليه، أو يستثنيه منه، ودون تسجيل الإضافات والاستثناءات الثورية إليه ومنه، فى مضبطة الجلسة، لأن ذلك من الناحية القانونية والدستورية يبطل القسم، ويحول دون ممارسته لدوره، لأن النص الدستورى صريح فى أن النائب لا يصبح كذلك ولا يكتسب الحصانة البرلمانية إلا إذا أقسم القسم، وما يقسمه النواب الثوار، ليس هو القسم الدستورى، ولكنه قسم من تأليفهم وتلحينهم، يجوز لهم أن يقسموه فى ميدان التحرير.. ولكنه لا يصلح للقسم تحت القبة. وسرعان ما اكتشف النواب الثوريون حيلة أمانة المجلس، فردوا عليها بمثلها، ونقلوا الإضافة والاستثناء من ذيل القسم إلى مقدمته، مما اضطر أمانة المجلس إلى تغيير تكتيكها، بإغلاق الميكروفونات فى بداية تلاوة القسم، وليس فى نهايته.. وانشغل بقية النواب الذين يشاهدون بث الجلسة على شاشات التليفزيون من المواطنين بمتابعة المباراة بين الطرفين، وحساب عدد الأهداف التى يسددها كل طرف فى مرمى الآخر. وبعد ساعات انتهى خلالها كل النواب من تلاوة القسم، سددت المنصة هدفًا قويًا فى شبكة النواب الثوريين واقترحت شطب كل العبارات التى أضيفت إلى القسم من المضبطة فوافق النواب بالإجماع، ولم يعترض واحد من النواب الذين أضافوا إلى القسم.. أو تحفظوا عليه. ما أدهشنى أن أحدا من نواب الجناح المدنى للثورة، لم يتنبه إلى دلالة إصرار نواب الجماعة الإسلامية على أن يحفظـوا القسم باحترام الدستور والقانون، بألا يخالف شرع الله، وفات عليهم أن نواب الجماعة، وغيرهم من النواب السلفيين يعتبرون البرلمانات والدساتير والقوانين الوضعية والدولة المدنية كلها مما يخالف فهمهم لشرع الله، إذ هم يرون أن هذه المسميات كلها هى عدوان على حق الله عز وجل فى الحاكمية، وتحكيم للطاغوت الذى هو تشريع البشر بأنفسهم لأنفسهم، ومبدأ الأمة مصدر السلطات، وغيرها من الكفريات الديمقراطية وأنهم أرادوا بالذيل الذى أضافوه للقسم، أن يعلنوا للجميع موقفهم منذ اللحظة الأولى، وأن «يذبحوا لهم القطة» كما نقل عن أحدهم فى تفسيره لإصرارهم على إثارة الارتباك فى الجلسة بما فعلوه، حتى لا يتوهم أحد أن دخولهم البرلمان يعنى تخليهم عن مبادئهم. ولو أن الفسطاط المدنى من نواب الثورة، تنبه إلى دلالة الذيل الذى أضافه السلفيون للقسم، لأضاف إلى القسم الذى تلاه، عبارة تفيد أنه يحترم القانون والدستور، فيما لا يخالف أسس الدولة المدنية الديمقراطية أو يخل بحقوق المواطنة أو يستخدم الدين للإرهاب السياسى! وياليته فعل!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الرؤف

حاجة غريبة

عدد الردود 0

بواسطة:

عثمان

لو ماخدتش حقك فى الثورة دى دور عليه بعد 60 سنة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد بدر

اتعلموا من السعودية

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء الشناوي

شكرا لمحرري اليوم السابع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة