سعد هجرس

رئيس الجمهورية الفاضلة

الأربعاء، 18 يناير 2012 03:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فور إعلان الدكتور محمد البرادعى اعتزامه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكان ذلك كما تذكرون فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فتحت عليه أبواب جهنم. وأطلق عليه تحالف الاستبداد والفساد كلابه وأبواقه فى أكبر حملة للأكاذيب والتضليل والتشويه والاغتيال المعنوى. لكن الرجل استقبل هذه الحملة بابتسامته المعهودة ولم ينزلق إلى المستوى الهابط والمنحط الذى انحدرت إليه أجهزة وأذرع نظام مبارك السياسية والإعلامية وتمسك بطرح رؤيته لـ«التغيير» فى مصر.

وظن الكثيرون أن البرادعى مجرد رجل «حالم»، وأن رؤية التغيير التى يطرحها ليست سوى أضغاث أحلام. وأنه باختصار ينطح رأسه فى الصخر.

لكن الأيام سرعان ما أثبتت أن الرجل لا يهذى، فقد حرّك المياه الراكدة - لدرجة التعفن - فى ظل هذا النظام «المملوكى»، وأعطى قوة دافعة جبارة للتغيير. وليس من المبالغة فى شىء أن نقول إنه من الآباء الروحيين لثورة 25 يناير.

ومثلما كان إعلانه اعتزامه على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية «بشارة» للقوى التى أطلقت شرارة ثورة 25 يناير، فإن إعلانه الانسحاب من السباق الرئاسى جاء بمثابة قبلة حياة للثورة، والتى تعرضت - وتتعرض - لمحاولات شرسة للترويض والتركيع والاختطاف والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

فهذا إعلان لا ينطلق من موقع اليأس أو الانهزامية وإنما ينطلق من موقع الاحتجاج على «الربان الذى تولى قيادة الثورة - دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة - فأخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة. ونحن نعرض عليه شتى أنواع المساعدة، وهو يأبى إلا أن يمضى فى الطريق القديم وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط».

وهو إعلان لا يهدف إلى مجرد «تسجيل موقف» أو إطلاق اتهامات مرسلة، وإنما يوجه الاتهام المحدد إلى «سياسة أمنية قمعية تتسم بالعنف والتحرش والقتل، وعلى إحالة الثوار لمحاكمات عسكرية بدلاً من حمايتهم ومعاقبة من قتل زملاءهم.. وكل هذا فى إطار حالة الطوارئ الفاقدة للمشروعية وغياب غير مفهوم للأمن وإدارة سيئة للاقتصاد، بالإضافة لعدم اتخاذ خطوات حازمة لتطهير مؤسسات الدولة - وخاصة القضاء والإعلام - من فساد النظام السابق».

وإزاء وضع كهذا، كان أمام البرادعى أحد خيارين: إما أن يستمر فى ظل القواعد الفاسدة الحالية للعبة هدفها إعادة إنتاج النظام السابق «حتى ولو بدون حسنى مبارك»، أو أن ينسحب، لا ليتفرغ لزراعة حديقته الخلفية - كما يقول برنارد شو - وإنما ليواصل النضال فى إطار قواعد محترمة ونظيفة ونزيهة فى عملية هدفها بناء مصر الجديدة.. الدولة المدنية الحديثة.

ولذلك فإنه حرص فى بيان الانسحاب «المسبب والاحتجاجى» على مناشدة أهله المصريين «ألا يتطرق اليأس إلى النفوس. فدروس التاريخ تعلمنا أن الثوارات العظيمة كلها تمر بمثل هذه الانخفاضات والارتفاعات، ولكنها فى النهاية تصل لبر الأمان».

تحية للبرادعى يوم تحدى نظام حسنى مبارك وألقى بالقفاز فى وجهه معلنا اعتزامه الترشح للرئاسة متحملاً سخافات أغبى الأقلام وافتراءات طابور طويل من محترفى الكذب والتضليل، وتحية له يوم انسحب من السباق الرئاسى احتجاجاً على قواعد فاسدة أراد منها البعض تحويل انتخابات الرئاسة إلى «طبخة مسمومة» تزهق روح الثورة وتعيد إنتاج نظام مبارك.
.. ومازالت الثورة مستمرة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة