صلاح عيسى

أركان حرب حرية الإبداع الأدبى والفنى

الأربعاء، 18 يناير 2012 09:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما لاح شبح الحرب العالمية الثانية فى صيف عام 1939 لاحظ رجال المخابرات البريطانية فى الشرق الأوسط أن وكيلى المحور - ألمانيا وإيطاليا - يجمعان من الأسواق العربية فى القاهرة ودمشق ويافا والقدس وبيروت وبغداد جميع أسطوانات نجوم الغناء العربى أيامها، وعلى رأسها أسطوانات أغانى وطقاطيق كوكب الشرق «أم كلثوم» وقصائد وأدوار مطرب الملوك والأمراء «محمد عبدالوهاب».
وبعد البحث والتحرى اكتشفوا أن «المحور» يستعدون لحرب الدعاية، فنزلوا إلى الأسواق نفسها، ينافسون أعداءهم فى اقتناء هذه الأسطوانات لإدراكهم أن الإذاعة التى تفتتح برامجها بأغنية لأم كلثوم أو موال لعبدالوهاب سوف تتجه إليها مؤشرات الراديو فى كل أنحاء الوطن العربى، وبذلك تضمن استماعهم إلى برامج الدعاية التى تبثها وتأثرهم بها.
وعندما اخترق القائد الألمانى المارشال «روميل» الحدود المصرية ووصل - عام 1942 - إلى العلمين، وأصبح على مبعدة قليلة من الإسكندرية، بدأ الجيش البريطانى يخطط للانسحاب من مصر إلى السودان، ولإجبار الملك فاروق وحكومته على الرحيل معه لإقامة حكومة منفى فى الخرطوم، وكان على رأس ما قررته القيادة العسكرية البريطانية أن تأخذ معها - طوعًا أو كرهًا - «عبدالوهاب» و«أم كلثوم» لأنها كانت تخشى لو أنهما بقيا فى مصر أن تستغلهما الدعاية الألمانية لصالحها، إذ كان يكفى أن تعلن إذاعة القاهرة التى يحتلها الألمان أن «أم كلثوم» سوف تغنى هذا المساء، لكى ينصت العالم العربى كله إلى ما تذيعه من أغانٍ وأدوار لكوكب الشرق، وأخبار انتصارات جيش الرايخ الثالث. وبعد عشرة أعوام، وفى الشهور الأولى من ثورة 1952 قرر مجلس قيادة الثورة أن يعين فى كل وزارة شخصية عسكرية، لتكون بمثابة ضابط اتصال بين الوزارة والمجلس، كانت تعرف باسم «مندوب القيادة» أو «أركان حرب الوزارة» وكان أول ما قرره «أركان حرب الإذاعة الملكية المصرية» هو وقف إذاعة الأغانى التى تشيد بالعصر البائد أو تتغزل فى شخص الملك السابق فاروق.
وكان القرار الثانى هو وقف إذاعة أغانى «أم كلثوم» باعتبارها من فلول ذلك العهد البائد، وأبواقه الإعلامية، لأنها غنت للملك فى عيد جلوسه أغنية «الليلة عيد.. ع الدنيا سعيد» ولأنه منحها لقب «صاحبة العصمة».. وما كاد الخبر يصل إلى الرئيس «عبدالناصر» حتى استدعى إليه أركان حرب الإذاعة، وعنفه على ما فعل، وقال له إنه هو نفسه - ككل المصريين والعرب - من عشاق أغانى «أم كلثوم» وأن منع أغانيها بدعوى أنها تنتمى للعهد البائد يعنى أن نهدم الهرم الأكبر، لأنه من آثار العهود البائدة، وأمره بإعادة بث أغانى أم كلثوم.
وفى الأسبوع الماضى فوجئت أثناء مشاركتى فى مناظرة تليفزيونية حول وثيقة حرية العقيدة والتعبير والإبداع الأدبى والفنى والبحث العلمى التى أعلنها فضيلة شيخ الأزهر، باعتراض بعض أطراف الحوار على الوثيقة، لسبب شكلى لا صلة له بمضمونها، هو أن من بين الموقعين عليها مفكرون يعتبرونهم من فلول العهد البائد، إذ سبق لهم أن التقوا الرئيس السابق، وتولوا مناصب فى عهده.
وكان واضحًا أن رفض الوثيقة لهذا السبب الشكلى ينطوى فى ثناياه على رفض لمضمونها الذى لم يتطرق إليه المعترضون لأنهم لا يملكون الشجاعة الكافية لرفض وثيقة تضمن حريات العقيدة والرأى والتعبير والإبداع الأدبى والفنى والبحث العلمى، فلم يجدوا وسيلة للهرب من هذا المأزق إلا بالمزايدة الثورية، ووصم بعض الموقعين عليها بأنهم من فلول النظام البائد. ساعتها تذكرت المنطق المضاد الذى استند إليه الرئيس عبدالناصر فى رفض قرار أركان حرب الإذاعة بوقف إذاعة أغانى أم كلثوم، والذى لو لم يعترض عليه «عبدالناصر» لكان معنى ذلك أن نحرق كل ما كتبه أمير الشعراء «أحمد شوقى بك» لأنه كتب قصائد يمدح فيها الخديو إسماعيل وأبناءه، وأن نمزق كل ما كتبه «أحمد لطفى السيد» لأنه كان فلاّ من فلول عهود الخديو عباس والسلطان حسين كامل والملك فؤاد والملك فاروق، ونبدد ما كتبه «د. محمد حسين هيكل باشا» لأنه كان قطبًا لحزب من أحزاب الفلول وهو حزب «الأحرار الدستوريين» ورئيسًا لتحرير صحيفته ووزيرًا للمعارف فى إحدى وزاراته، وهو ما ينطبق أيضًا على كتابات «طه حسين» الذى كان من أنصار هذا الحزب، قبل أن ينتقل لحزب آخر من أحزاب الفلول، هو «حزب الوفد» ويتولى وزارة المعارف، فى عهد بائد.. وألا نعيد طبع أعمال «عباس العقاد» لأنه كتب - قبل ثورة 23 يوليو بشهور - مقالاً بعنوان «ديمقراطية الزفاف الملكى».. وأن نهدم السدّ العالى الذى اعتبره البعض بعد ثورة 15 مايو 1971 كارثة وطنية ارتكبها عهد ثورة يوليو البائد! وبذلك كله يحقق أركان حرب ثورة يناير هدف ضمان حرية العقيدة والرأى والتعبير والإبداع الأدبى والفنى والبحث العلمى!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

د. شهاب

ارحمونا وتواروا

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل صدقى

زمن

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد

بل استمروا

عدد الردود 0

بواسطة:

د. عبدالله خطاب

عشان حضرتك من الفلول الفاسدة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة