جمال نصار

الأخلاق وبناء الإنسان «2/2»

الخميس، 22 سبتمبر 2011 04:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما نقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟» سؤال يظن السامع أن الإجابة عليه فى غاية البساطة والوضوح لذلك قالوا «المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع» إجابة صحيحة ومتوقعة على سؤال كهذا، إذ أن العقل لا يمكن أن يقول غير ذلك حين يتوجه التفكير إلى معنى السؤال بشكله الظاهرى ولكن الرسول الكريم الذى يربى وينشئ ويعلم، لا يسأل سؤالا كهذا إلا لإعطاء جواب ملىء بالحكمة والتوجيه والبناء، قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتى من يأتى بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا، وضرب هذا فيعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار».
جواب وضع أمام المسلمين قاعدة هامة فى حسن الخلق وحسن المعاملة، وفى السؤال وانتظار الجواب، تنبيه إلى أهمية ما سيأتى من بعد. فليس المهم أن تلتزم الصلاة والصيام والزكاة فحسب، وتنسى أن الدين الإسلامى كل متكامل، وبناء متناسق مترابط فيه من المتانة ما فيه.
من هنا قول النبى صلى الله عليه وسلم: «وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، وقوله :«لا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا» و«من فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على مُعسر يسّر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه».
فالتكامل المطلوب فى الدين الإسلامى، يستدعى النظر والتبصر فى حقوق الله وحقوق العباد، ولا يمكن أن يقوم الدين فى النفس الإنسانية بصورته الشاملة المتكاملة، بالنظر والتبصر فى حقوق الله، ونسيان أو تناسى حقوق العباد. وطبيعى أن الدعوة إلى مكارم الأخلاق، والتوجه إلى بناء الإنسان هذا البناء المُحكم على ضرورة التحلى بالخلق الحسن، وجعله هيئة راسخة فى النفس، لا يتم مغزاه إلا فى معاملة الناس من خلال الفعل والعمل والقول والتصرف والسلوك، وكلها تقتضى طرفًا آخر يجعلها واقعًا محسوسًا ملموسًا، وإلا انتفت وأصبحت مجرد كلمات تردد ليس إلا وهل يمكن أن تكون كذلك؟
هكذا يعلو هذا البناء الشامخ ويرتفع فى معالجة كل أمر من أمور العلاقة بين المسلمين الذين كانوا خير أمة أخرجت للناس، لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وهكذا يأتى الترابط الوثيق والضرورى بين مراعاة حقوق الله وحقوق العباد، وهو الترابط الذى لا يجوز الفصل بين طرفيه.
وبناء الإنسان المسلم لم يكن بناءً شكليًا يلتفت إلى الظاهر، بل كان غوصًا فى الأعماق ودخولاً فى أغوار النفس، وترتيبًا وتهذيبًا للقلب والمشاعر والتفكير والإحساس. وهذا ما جعل الإنسان على نقيض ما كان عليه فى فترة قصيرة، قد تذهل الدارس أو الباحث الذى لا يفهم الدين الإسلامى على حقيقته، أو بكليته. إذن لابد له أن يتساءل: كيف استطاع هذا الإنسان الذى كان ضعيفًا ممزقًا فى الجاهلية، أن يتحول كل هذا التحول إلى القوة والتلاحم والثبات فى مثل هذه الفترة الزمنية القياسية..
وطبيعى أن الدارس لطريقة التأسيس والتغيير والبناء التى حدثت، سيعرف ببساطة أن الدين الإسلامى دين حضارة وبناء وشموخ، وأن الاهتمام بالإنسان كان اهتمامًا عميقًا وجذريًا ومتكاملا، لم يترك صغيرة أو كبيرة. لذلك كانت صورة الإنسان المسلم البانى للحضارة، على ما كانت عليه. وما كان لها إلا أن تكون كذلك، ما دامت ترجع إلى مصدر لا يماثله أى مصدر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

أشرف كمال

بارك الله فيك

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد الاهلوى ابن المحله

....

بارك الله فيك مقال جميل جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

ايهاب

من اجمل ما قرأت

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة