صلاح عيسى

مخطط الزعيم «أبوهيبة»

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011 03:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أدهشنى زميل دراسة قديم، لم يسبق له الاشتغال -أو مجرد الاهتمام- بالسياسة، حين قال لى إنه يفكر فى ترشيح نفسه لرياسة جمهورية مصر الثورية.. ولما سألته: وعاوزها جمهورية برلمانية أم جمهورية رئاسية؟.. هرش رأسه فى حيرة من لا يعرف الفارق بين الاثنتين.. قبل أن يقول: كل اللى يجيبه ربنا كويس.
ولم تكن حيرة هذا الزميل، أقل من حيرتى طوال الأسبوع الماضى، وأنا أتابع -على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون- المناظرة الحادة بين فريقين من الثوار حول توصيف الوقائع التى جرت فى أعقاب انتهاء جمعة تصحيح المسار، وشملت محاولة قام بها فريق من المتظاهرين لاقتحام مبنى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وأنزلوا العلم الإسرائيلى من فوقه، وتطورت إلى عمليات عنف وتخريب.
ذهب الفريق الأول من الثوار إلى أن محاولة الاقتحام وما صاحبها من أحداث أخرى، هى عمل تخريبى، دبره فلول الحزب الوطنى المنحل، وأزلام النظام السابق، وقادة الثورة المضادة، وعملاء بعض الأطراف الخارجية ونفذه بلطجية استأجرهم هؤلاء، بهدف تشويه الثورة وتصويرها أمام الجماهير، باعتبارها عملاً فوضوياً يقود البلد إلى الخراب.
بينما ذهب الفريق الثانى من الثوار إلى أن ما حدث هو عمل ثورى كان لابد من القيام به، تعبيراً عن موقف الشعب المصرى الثابت من العدو الإسرائيلى، وعلى سبيل الثأر من العملية الإجرامية التى أسفرت عن استشهاد ستة من أفراد الشرطة المصرية عند الحدود بين البلدين.. وبالتالى فإن الذين نفذوه هم ثوار ينتمون للثورة، وليسوا بلطجية ينتمون للثورة المضادة، والذين قتلوا أثناءه هم شهداء مثواهم الجنة، وليسوا بغاة مأواهم النار، ومن ألقت الشرطة القبض عليهم بسبب نشاطهم خلالها، هم مناضلون كانوا يمارسون عملاً ثورياً.. يتوجب الإفراج عنهم، والاعتذار لهم وليس حبسهم وتقديمهم لمحكمة أمن الدولة طوارئ!
والحقيقة أننى لم أسترح كثيرا لنسبة عمل بحجم هدم الجدار المحيط بالسفارة، وإعادة رفع العلم المصرى على مبناها.. إلى فلول الحزب لأن ذلك يمنح هؤلاء شرفا لا يستحقونه، وفضلاً عن أنه يتناقض مع تقييم ثورى لواقعة مشابهة حدثت منذ أسابيع قليلة، حين نجح أحد المواطنين فى نزع العلم الإسرائيلى من فوق مبنى السفارة، فكرمته الحكومة ومنحته شقة، فهو يتناقض كذلك مع الرؤية الثورية المعتمدة التى تقول بأن هؤلاء الفلول، والأصل الذى فلوا منه، هم أصدقاء حميمون للإسرائيليين، وبالتالى فليس منطقياً أن يقوموا بعمل عدائى ضد سفارتهم.
الغريب أن الجميع تسابقوا فى تبادل الاتهام، ولم يتوقفوا أمام التفسير الأكثر منطقية لما حدث، وهو أن الذين قاموا به هم عناصر من الثوار الذين لم يقدروا فى حمى حماسهم، خطورة ما يفعلونه، وإضراره بالثورة بسبب نقص وعيهم وقلة خبرتهم، وأتاح ما فعلوه الفرصة للفوضويين والمخربين واللصوص، للعمل فى مسرح الأحداث، أو ينتبهون للخطأ الذى وقع فيه منظمو جمعة تصحيح المسار، حين اعتبروا أن مسؤوليتهم تقتصر على تأمين ميدان التحرير، ولم يسعوا للمشاركة فى المظاهرات التى تفرعت من الميدان، ومنها المظاهرة التى توجهت إلى السفارة الإسرائيلية، لضبط إيقاعها، بحيث لا تسىء إليهم أو إلى الثورة، وبينما أنا أهرش فى رأسى بحثاً عن تفسير للغز الاتهامات المتبادلة بين القوى الثورية حول الموضوع، فتح الله على جريدة «الأهرام» الغراء، بخبر انفردت بنشره فى صدر صفحتها الأولى منذ أيام، نسبته لمصدر قضائى ومسؤول كذلك، يقول إن بعض المتهمين فى الحادث قد اعترفوا بأنهم تجمعوا قبله بيوم فى ثلاثة أماكن مختلفة وحملتهم أتوبيسات سياحية إلى مزرعة خاصة لثرى مجهول، حيث تناولوا على مائدته عشاء فاخراً، حدثهم الداعى خلاله عن ضرورة الثأر لأولادنا الذين استشهدوا على الحدود، وعن حتمية طرد السفير الإسرائيلى، ثم وزع عليهم مظاريف تحتوى على مبلغ يتراوح بين 5 و11 ألف جنيه.. وفى اليوم التالى تجمعوا حول السفارة، وقاموا بمهتهم، دون أن يعرفوا شيئاً عن الرجل سوى أنه رجل «تبدو عليه الهيبة».
ومع أن القصة تبدو مشهداً من فيلم مقاولات تافه ومع أنها لا تكشف عما إذا كان هذا الثرى ثورياً معادياً لإسرائيل أم متآمراً من أزلام النظام المتحالف معها، فإننى -من باب الثقة فى مصداقية جريدة يزيد عمرها على مائة وثلاثين عاماً- صدقتها، لأنها حسمت الجدل حول المسؤول عما حدث للسفارة الإسرائيلية، وتبين أنه من تخطيط وتمويل الزعيم «أبوهيبة»!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة