مليونية «فتح القناة.. وإغلاق القاعدة»!

لا أعرف اسم المسؤول المصرى الكريم ذى القلب الرحيم الذى أعطى قناة «الجزيرة مباشر مصر» الضوء الأخضر لكى تعمل من القاهرة قبل أن يحصل مكتبها على ترخيص بمزاولة النشاط أو يسجل مراسلونها أسماءهم فى سجل المراسلين الأجانب، أو تحصل أجهزة البث التابعة لها على تصريح بذلك، وأشك فى أن القنوات المصرية التى بدأت العمل بعد 25 يناير قد عوملت هذه المعاملة التى تزرى بكرم «حاتم الطائى»، وحنية المرحومة أمى.
ولا أعرف السبب الذى حال بين هذا المسؤول وبين منح القناة هذه التصاريح طوال هذه المدة، مع أنها قامت بكل إجراءات استصدارها أو الذى دفعه لكى يقلب لها فجأة ظهر المُجَنّ فيخرج القانون من جيبه ويغلق القناة وهو إجراء فظ يتجاهل، إن إغلاق الصحف والمؤسسات الإعلامية فضلا عن مساسه بحرية الإعلام هى عقوبة جماعية تحظرها كل الدساتير والمواثيق الدولية والشرائع السماوية التى تنص جميعا على أن العقوبة شخصية، وعلى أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه لا يجوز قطع عيش الذين يعملون فى القناة، لمجرد أن مقدم أو ضيف برنامج، قد خالف القانون، وبالتالى كان ينبغى أن تقتصر العقوبة عليه وفوق هذا وذاك فإن الإذن الشفهى بالبث قد أصبح حقا مكتسبا للقناة لا تعاقب بسببه بل يعاقب الكريم ذو القلب الرحيم الذى خالف القانون وأساء استغلال سلطته.
وما حدث هو نموذج لما سميته قبل سنوات بـ«الديمقراطية العرفية» التى تقوم على الاحتفاظ بترسانة القوانين المقيدة للحريات مع تعطيلها، لأن ولى الأمر يريد أن يتظاهر أمام أسيادنا الذين فى واشنطن بأنه ديمقراطى، لتظهر هذه القوانين فجأة، لتطيح بالقناة أو الإعلامى الذى وضعته مصادفة سيئة تحت أنظار ولى الأمر فاستفزه ما يبثه الاثنان، ليسارع بفتح باب الترسانة ويأمر بضربه بكل ما فيها من أحذية قانونية!
لكن ذلك كله لا ينفى حقيقة أن «قناة الجزيرة مباشر مصر» هى ظاهرة إعلامية لها العجب، وتدعو للريبة، إذن ما الذى يدعو الشقيقة الكبرى قطر، لتخصيص قناة لمصر وثورتها دون كل بلاد وثورات العرب وغير العرب؟ ولماذا تبدد أموال الشعب القطرى الشقيق، على شبكة ضخمة من المكاتب والمراسلين تغطى كل محافظات مصر، بما فى ذلك مدن وقرى صغيرة؟ وهو ما تعجز عنه القنوات المحلية المصرية بسبب نقص الموارد بها.. ولماذا تقصى القناة كل ضيف مصرى ينتقد الإخوان المسلمين وتسمح لكل من يسب المسؤولين المصريين من أدنى إلى أعلى المستويات أن يفحش فى القول، فإذا تطرق إلى شخصية قطرية، أعطته دروسا فى آداب المهنة التى لا تلتزم بشىء منها؟
مشكلة قناة الجزيرة، هى أنها قناة تعبوية إثارية، يخلط الذين يديرونها، وبعض من يشاهدونها، بين «الحرفية»، بمعنى امتلاك إمكانيات مالية ضخمة تمكنها من الإنفاق ببذخ حتمى على ما تقدمه وبين «المهنية» بمعنى الالتزام بأدبيات المهنة وتقاليدها، وتستغل هذا الخلط للترويج للمشروع الإمبراطورى القطرى، الذى يتوهم أصحابه أن الإعلام يستطيع وحده أن يصنع من القط أسدًا، وأن المال يستطيع وحده أن يصنع من النملة فيلا، وأن الاثنين معا، يستطيعان أن يصنعا الثورات، وأن يوجهانها إلى حيث يريد من يملكونها.
ومشكلة الثوار العرب هى أنهم لم يجدوا منبرًا إعلاميا يملك المقدرة المالية والإمكانيات الحرفية ـ وليست المهنية ـ التى تملكها «الجزيرة» ليواجهوا به إعلام التعبئة الذى تملكه وتديره الأنظمة الاستبدادية، فاضطروا للتحالف معها، انطلاقا من الإيمان بأن الله عز وجل يضرب الظالمين بالظالمين!
أخشى أن يكون الوهم قد صور لأسيادنا الذين يديرون سياسة الشقيقة الكبرى قطر، أنهم خلفاء الرفيق «ليون تروتسكى» الذى دعا لمواصلة الثورة الدائمة حتى يتحرر العالم كله من القهر، وبأن الدوحة ستكون حاضرة الخلافة الإسلامية التروتسكية التى تخضع لحكمها كل الدول الإسلامية ومنها الشقيقة الصغرى مصر.
ويا أسيادنا الذين فى الإدارة المصرية آن الأوان لإصدار قانون ديمقراطى لتنظيم البث الفضائى ييسر الإجراءات ويصون حقوق وحريات كل الأطراف، ويضمن لها حق التقاضى ويحظر عقوبة الإغلاق.
ويا أسيادنا الذين فى قناة «الجزيرة مباشر مصر» التى تبث الآن مؤقتا من الدوحة: أؤيد دعوتكم لمليونية مصرية تهتف: الشعب يريد فتح القناة... وآمل أن تصاحبها مليونية أخرى فى الدوحة تهتف: الشعب يريد إغلاق القاعدة.