شوية أخلاق

ماذا كسبت مصر منذ 25 يناير؟ وماذا خسرت؟ هذا نوع من الأسئلة التى يفترض أن يعكف كثيرون على الإجابة عليها، فتحديد المكاسب والخسائر، أمر فى غاية الأهمية، خاصة إذا تطرق هذا الميزان لأمور تتعلق بالعلاقات بين المواطنين، وباحترام القوانين، وبمدى فهم المصريين لمفهوم الحرية، ومن ثم ممارسته بشكل لا يصادر حريات الآخرين.

الحرية أهم مكسب للمصريين منذ 25 يناير، الشعب انتزع حريته، لا جدال فى ذلك، خاصة بعد أن انتهى الخوف المعشعش فى جوانح المصريين منذ 1952، أو ربما منذ بدايات التاريخ، رغم تمرد المصريين عليه فى مواضع متفرقة.

خلعنا الرئيس، أو خلع الرئيس نفسه تحت ضغط الشارع، ليس هذا حدثا مهما إلى جوار الحرية، فالحرية هى التى جعلت الناس تخرج من كل فج عميق إلى الشوارع فى 28 يناير، والحرية التى اكتسبها المواطنون بالتضحيات هى التى تسببت فى قتل مشروع التوريث، وهذا ثانى أهم إنجازات 25 يناير بعد الحرية طبعا.

صحيح أن الشعارات المهمة للمواطنين مثل الخبز والعدالة الاجتماعية لم تتحقق، ولا تبدو فى طريقها للتحقيق، بسبب عدم وجود حكومة تتمتع بكفاءة إدارية، أو حس سياسى، وكذلك بسبب انفراط عقد الناس وتمحورهم حول مواضيع تافهة من نوعية الدستور ولا الانتخابات.. مليونيات ولا وقفات.. فتح الميدان ولا قفل الميدان.

وفى خضم هذا الجدل النخبوى العقيم، تراجعت سلطة الدولة وهيبتها إلى أدنى مستوياتها، لدرجة يمكن القول معها أننا نعيش فى بلد، لكن لا توجد فيه دولة، ولا نشعر بحكومة، أو بأدواتها الأمنية والإدارية.

إذا أردت البناء على الأراضى الزراعية تفضل لن يعطلك أحد، وإذا أردت البناء بدون ترخيص ومخالفة القوانين وقواعد السلامة والارتفاع بعمارة عشرين دورا، بينما أساسها لا يتحمل سوى خمسة أدوار لا توجد مشكلة.

يمكنك أن تقتطع أى قطعة فى الشارع، أى شارع وتضع كراسى وتربيزات وتعمل قعدة ونصبة، وشيشة وحشيش، دون أن يهتم أحد بمنعك.. يمكنك أيضا أن توقف سيارتك فى عرض الطريق، وتمنع حركة المرور، وحتى لو تضايق الناس شوية مش مهم يغوروا فى ستين داهية.
فى مصر قطع طرق، واعتداءات وغياب للقانون، ولقوة تنفيذ القانون، والأهم غياب الأخلاق، وهذه أكبر خسارة بعد 25 يناير.. ظهرت الحرية وغابت الدولة.. فغابت الأخلاق.