سامح فوزى

فقه مصرى أم فقه مستورد؟

الإثنين، 08 أغسطس 2011 03:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك حوارات مفتقدة فى المجتمع المصرى، لا أعرف لماذا؟ هل للكسل الفكرى، أم لعدم وجود أشخاص مؤهلين لذلك، أم لأن النخبة الثقافية القائمة غير عابئة بهذه الحوارات، والتى أرى أهميتها الآن أكثر من أى وقت مضى حتى يفهم الناس العاديون البسطاء ما يحدث حولهم؟

خذ مثالاً على ذلك الحوار حول الفقه المصرى، ودوره فى تحديد العلاقة بين الدين والدولة، والذى استلهمه بيان الأزهر الذى صدر منذ بضعة أسابيع. هذا الحوار غائب أو مغيب، ليس فقط فى الوقت الحاضر، ولكن منذ عقود عندما اجتاحت تفسيرات دينية متشددة العقل المصرى، ولم يحدث نقاش وتفنيد لها، لاسيما أنه أصبح لها وكلاء وأموال تصرف، وكتب تحملها توزع بالمجان، ويعرف كثير من الأصدقاء فى الحركة الإسلامية كيف كانت آراء فقهاء الخليج المتشددين يجرى ترويجها على نطاق واسع.

نحن أمام فقهين - إن صح التعبير - فقه مصرى رحب، تشكل حول نهرية المجتمع المصرى، يعرف التعددية، وينظر للخلائق والأشياء نظرة متسامحة، وفقه آخر مستورد متشدد جامد، نشأ فى مجتمعات لها ظروف مختلفة، يفتقر إلى المرونة والتسامح، ولا يعرف التعددية.
الفقه المصرى نعرفه فى كتابات الإمام محمد عبده، والشيخ محمود شلتوت، الشيخ مصطفى عبدالرازق، والدكتور عبدالمتعال الصعيدى، وله امتدادات فى كتابات لعدد ممن يعرف عنهم الالتزام بالوسطية مثل الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور محمد سليم العوا، والمستشار طارق البشرى، والشيخ يوسف القرضاوى، وآخرين.

فى حوار مع الدكتور حسام أبو بخارى «المتحدث الرسمى باسم ائتلاف المسلمين الجدد» عبر قناة الجزيرة، سألته مباشرة: هل أنت توافق على الفقه المصرى الذى نردده؟ وسردت له الشخصيات السالف ذكرها باعتبارها عنوانًا له؟ لم يجب عن السؤال.

هذا هو مربط الفرس، كما يقال، هل نحن فى المجتمع المصرى نريد فقهًا مستوردًا أم الفقه المصرى الذى نشأ، وتراكم، وتطور فى إطار الخبرة التاريخية المصرية؟

وعندما يأتى إلينا السلفيون قائلين: نريدها دولة إسلامية، نتساءل بدورنا أى إسلامية؟ وأى دولة؟ فمثلاً يرى المثقفون الإسلاميون المعاصرون مثل أبو المجد، والعوا، والبشرى، والقرضاوى، وآخرون أن الدولة القائمة ليست هى الدولة القديمة التى شرع لها فقهاء الماضى. الدولة القائمة أسهم فى تحريرها من الاستعمار المسلمون والمسيحيون، وبالتالى فهى دولة مواطنة متساوية للجميع، والحكم فيها للمؤسسات، والقوانين، واللوائح. ولا غرو فى أن يتولى مسلم أو غير مسلم أى موقع فى الدولة، لأنه فى النهاية يعمل فى إطار مؤسسى، ويلتزم بما هو قائم من قوانين ولوائح. لا مكان للأفكار القديمة التى تتحدث عن أهل الذمة والولاية العامة، والتى تحرم غير المسلمين والمرأة من مواقع قيادية فى المجتمع، لأن الولاية اليوم ليست للأفراد، بل للمؤسسات والقوانين.

هذا اجتهاد إسلامى، وضعه مثقفون معتبرون، وعلماء لا يشق لهم غبار. هل يرضى به السلفيون؟ وما سندهم فى الرفض؟ هل يتحدثون عن فقه دولة قديمة أم فقه دولة حديثة؟ هنا تبدو المفارقة، فى الوقت الذى نسمع فيه أصواتًا سلفية تقول: نريد دولة حديثة، يكون فيها دستور، ومؤسسات، وقوانين، تصدر عن بعضهم آراء تستلهم نظم الدولة القديمة، فتتحدث عن مناصب «عقدية» مقصورة على أهل العقيدة من المسلمين، ووظائف «ذكورية» مقصورة على المسلمين الذكور، ومواطنة «منقوصة» تنسحب على غير المسلمين.

من هنا فإننى أستغرب أن يصمت المثقفون على شعار مرفوع يقول «نريدها دولة إسلامية». لا يصح أن يُهاجم من يقول ذلك بالقول «نريدها دولة مدنية»، ولكن الصواب فى رأيى أن نطرح السؤال الصحيح: أى دولة؟ وأى إسلامية؟ هل هى دولة حديثة أم دولة قديمة؟ هل إسلامية الفقه المصرى أم إسلامية فقه البداوة المتشدد؟

ما أعرفه أن المسلمين أقاموا دولاً، ووضعوا دساتير، وأنشأوا حكومات، لكن لم أسمع عن تصور إسلامى واحد نهائى شامل يتفق عليه الإسلاميون أنفسهم للمقصود بالدولة الإسلامية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة