سعد هجرس

فرصة تاريخية.. هل نهدرها؟!

الأربعاء، 31 أغسطس 2011 04:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«إذا أردت أن تخرج من الحفرة يجب أن تتوقف عن الحفر»... ليس هذا اكتشافاً وإنما هو أمر بديهى يقتضيه الحس السليم للفرد العادى مثلى ومثلك. ومع هذا فإن كثيراً من فصائل «النخبة» المصرية مستمرة فى «الحفر»، ومستمرة فى مماحكات لا أول لها ولا آخر حول قضايا فرعية وجزئية، وأحياناً حول قضايا مصطنعة ومفتعلة تتعلق بالماضى وتصادر على المستقبل، وتعمق الخلافات بين فصائل الجماعة الوطنية، فى وقت يجب أن تتضافر فيه جهود الجميع من أجل التوصل إلى قواسم مشتركة تكون بمثابة مرتكزات لصياغة عقد اجتماعى جديد يؤسس لدولة الحق والقانون على أنقاض الدولة الاستبدادية المترنحة.
إذن.. التحلى بروح الحرص على تحقيق «توافق وطنى» مسألة أساسية ولا غنى عنها فى هذه المرحلة الانتقالية.
بيد أن هناك سبباً إضافيا واستثنائيا وبالغ الأهمية يتطلب التمسك بمقضيات هذا «التوافق الوطنى» المنشود، والكف عن المناورات الصغيرة والتكتيكات قصيرة النظر وضيقة الأفق.
هذا السبب هو باختصار تلك «الفرصة» التاريخية التى يقدمها لنا الربيع العربى، وبالذات الثورة التى تشهدها كل من تونس وليبيا. هذه الثورات ستتمخض عن تغييرات جذرية بعيدة المدى فى السياسة والاقتصاد لشمال أفريقيا بأسره. وفى ثنايا هذه التغييرات الدراماتيكية التى ستنجم عن تصفية الإرث الكريه للنظم الاستبدادية فى البلدين، تكمن «الفرصة» التاريخية التى تلوح لنا، ولا يجب بأى حال من الأحوال إضافتها إلى قائمة طويلة من «الفرص الضائعة».
ولا ينبغى أن تستمر النخبة المصرية فى الاختلاف على إجابة أسئلة من نوع «هل الملائكة ذكور أم إناث؟» بينما مستقبل المنطقة من حولنا يتشكل ويتقرر مصيره من الآن، ولن ينتظرنا حتى ننجز مهام الفترة الانتقالية... بصورة ترضينا أو لا ترضينا. لذلك يجب أن نبدأ اليوم قبل الغد، فى فتح هذا الملف الكبير بكل أبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ونحسم أمرنا بسرعة فى كيفية التعامل مع كل هذه الأبعاد، وكفانا ما خسرناه من جراء التردد –غير المبرر- الذى جعل حكومة الدكتور عصام شرف تتلكأ فى الاعتراف بالثورة الليبية والمجلس الوطنى الانتقالى لحين سقوط طرابلس. وبدلاً من البكاء على اللبن المسكوب، يجب أن نتعلم الدرس وألا نضيع الفرصة السانحة، وهذا يتطلب تحركا سياسيا ودبلوماسيا سريعاً على المستويين الرسمى والشعبى، نحو الثورتين التونسية والليبية، بصورة غير تقليدية وبعيداً عن البيروقراطية والتفكير البالى بحساباته الخائبة المفتقرة إلى الخيال والإبداع.
ويكفى أن نتصور ماذا يمكن أن تكون عليه تلك الكتلة المتصلة جغرافيا، التى تضم مصر وليبيا وتونس، وما يمكن أن يؤدى إليه قيام كيان كبير كهذا –تباركه الجغرافيا ويزكيه التاريخ– ليس فقط من توفير تكامل فى المزايا النسبية بين القوى البشرية والموارد الطبيعية والمالية لهذا الحزام المتصل الكبير، وإنما أيضا لما يمكن أن يسفر عنه من تغير استراتيجى فى المنطقة بأسرها، وإعادة توزيع مراكز الثقل فى المعادلة الإقليمية بين عرب النفط وعرب الماء، وكذلك لما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات فيما يتعلق بإصلاح الخلل المزمن فى علاقات القوة للصراع العربى – الإسرائيلى، ولشروط الاندماج العربى فى النظام العالمى، والانتقال من دور التابع إلى دور الشريك، والتحول من دور «المفعول به» إلى دور «الفاعل».
وليس هذا من قبيل التمنيات الذاتية أو الأحلام الوردية، أو حتى الهروب الى الأمام، وإنما هى كلها أمور تسوغها اعتبارات الجغرافيا السياسية والبشرية، والمقومات الاقتصادية للبلدان الشقيقة الثلاث.. وهذه كلها اعتبارات «موضوعية»، لا يتطلب تفعيلها أكثر من توافر «الإرادة السياسية» المصحوبة برؤية مستقبلية مسلحة بدراسات علمية تستهدف تحقيق المصالح المشتركة للجميع دون تمييز، مع الحفاظ على عبقرية «التنوع» لكل من البلدان الثلاث بل داخل كل منها أيضاً، على قاعدة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وإذا لم نتحرك من الآن لإرساء دعائم هذا الكيان الكبير، فإن كلا من تونس وليبيا ستبحث عن شركاء آخرين للتنمية، وساعتها لا نلومن إلا أنفسنا..
فلنتحرك الآن.. وليس غداً، ولنتحرك رسمياً وشعبياً فى آن واحد.. وبدلاً من استمرار «تقطيع الهدوم» فى الجدل العقيم حول قضايا لا تقدم وإنما تؤخر، نتمنى أن نرى وفوداً رسمية ووفوداً من الأحزاب السياسية، القديمة والجديدة، تقوم بمبادرات إيجابية وتشد الرحال إلى تونس وليبيا وتغرس بذور أشجار الإخاء الثورى على قاعدة المصلحة المشتركة.. قبل فوات الأوان.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة