صلاح عيسى

المسلسلات الدينية وضوابط الأزهر التى تجاوزها الزمن

الأربعاء، 03 أغسطس 2011 04:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الأوقات الممتعة التى لا تغادر متعتها ذاكرتى، الساعات التى قضيتها عام 1972، أشاهد على خشبة المسرح القومى، البروفة النهائية للمسرحية الشعرية «ثأر الله»، التى كتبها «عبدالرحمن الشرقاوى» وأخرجها «كرم مطاوع» وقام ببطولتها عبدالله غيث وأمينة رزق ويوسف وهبى، رحم الله الجميع.

وكان صناع المسرحية قد وجهوا الدعوة إلى عدد من الصحفيين والكتاب لمشاهدة البروفة مع المسؤولين فى الرقابة على المصنفات الفنية وعدد من أصحاب الفضيلة علماء الأزهر.. لتقييم مدى ملاءمة الحل الوسط الذى تم التوصل إليه، لإنهاء الأزمة التى ترتبت على اعتراض الأزهر على تجسيد الشخصيات التى تنتمى إلى آل البيت ضمن أحداث المسرحية، وهو حل يقوم على أن يسبق «عبدالله غيث» الذى كان يجسد شخصية «الإمام الحسين» بعبارة «قال الحسين»، وأن تفعل «أمينة رزق» - التى كانت تجسد شخصية «السيدة زينب» - ذلك أيضاً، وبذلك يكسران الإيهام لدى المتفرج بأن اللذين يراهما على خشبة المسرح الإمام الحسين والسيدة زينب «رضى الله عنهما»، وينبهان إلى أنهما الممثلان «عبدالله غيث» و«أمينة رزق».

ولأن المسرحية كانت عملاً فنياً باهراً، تأليفا وإخراجاً وتمثيلاً، فضلاً عن أنها كانت تحمل رؤية مستنيرة للتاريخ الإسلامى، ورسالة تنبيه للمسلمين إلى أهمية الوحدة، فقد استقبلها المشاهدون أثناء العرض وفى أعقابه بعاصفة من التصفيق، وتوقعوا أن يسحب الأزهر اعتراضه، خاصة أنه كان قد وافق من حيث المبدأ، على الحل الوسط، الذى ينفى شبهة التجسيد، لكنه لأسباب قيل إنها تدخلات من دول مجاورة - تمسك بموقفه، فلم تعرض المسرحية ولم تسجل، وفشلت آخر محاولة لإعادة تقديمها، قام بها - بعد ثورة 25 يناير - المخرج المسرحى «جلال الشرقاوى».

ومسألة تجسيد الشخصيات الإسلامية فى المسرحيات والأفلام والمسلسلات، هى من مسائل الفقه المعاصرة، إذ لا يوجد فى القرآن والسنة نص يحرم ذلك، ولم يتعرض لها فقهاء المسلمين، إلا بعد اختراع هذه الوسائط، واتجاه السينما الأمريكية لتجسيد شخصيتى النبى موسى والمسيح عليهما السلام، وإعلان المخرج التركى «وداد عرفى» عام 1962، عن إنتاج فيلم عن حياة النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» يقوم ببطولته نجم المسرح المصرى «يوسف وهبى»، وهو ما أثار ضجة أسفرت عن صدور قرار من الأزهر بتحريم ذلك، ليتوقف المشروع، وتتوقف السينما المصرية على امتداد ربع قرن بعد ذلك، عن تناول مرحلة صدر الإسلام، إلى أن عرض فيلم «ظهور الإسلام» عام 1950، ليلتزم بالضوابط التى وضعها الأزهر، ومن بينها حظر تجسيد عدد من شخصيات تلك المرحلة، من بينها الرسول وآل البيت والراشدون الأربعة وبعض الصحابة من الطبقة الأولى، وهى ضوابط كانت تتسع وتضيق حسب موقف الشيخ الذى يتولى مشيخة الأزهر، ففى هذا الفيلم جسدت شخصيات بعض الصحابة «بلال بن رباح» و«عمار بن ياسر»، بينما حظرت شخصيات «خالد بن الوليد» إلى أن أذن الشيخ محمود شلتوت فى الستينيات للفنان «حسين صدقى» بتجسيدها فى فيلم يحمل اسم الصحابى الجليل.

ومع الزمن اتجهت ضوابط الأزهر إلى التشدد، ووصلت إلى ذروتها بالقرار الذى اتخذه مجمع البحوث الإسلامية، وأضيف عام 1967 إلى لائحة قانون الرقابة على المصنفات الفنية، وقد أضاف إلى الشخصيات المحظورة، أنبياء الله جميعاً، وصحابة الرسول وآل بيت النبوة، والعشرة المبشرين بالجنة.

وتطبيقا لهذا القرار اقتصر عرض الأفلام التى تجسد شخصية المسيح وغيره من القديسين على الكنائس، وحظر عرضها عرضاً عاماً، وطورد فيلم «الرسالة» الذى أخرجه المخرج السورى «مصطفى العقاد» ومنع تصويره وعرضه فى مصر، لأنه يجسد شخصية «حمزة بن عبدالمطلب» عم الرسول، وصودر فيلم «المهاجر» الذى أخرجه «يوسف شاهين» لأنه يجسد «النبى يوسف»، مع أن الشخصية ذاتها سبق تجسيدها فى مسرحية فى الثلاثينيات، ومسلسل عرض فى الستينيات.

لكن الزمن بما حمله من تطورات فكرية وإلكترونية، أخذ يوجه ضربات عنيفة بضوابط الأزهر، إذ أذنت السلطات الدينية فى كل دول العالم الإسلامى بعرض فيلم الرسالة، واحتشد المسلمون فيها لرؤيته، واعتنق آلاف من غير المسلمين الإسلام بعد مشاهدته، ووافقت الرقابة على عرض فيلم «آلام المسيح» الذى أخرجه «بيل جيبسون» عرضا عاماً من دون أن يعترض أحد، وأنتجت شركات تليفزيونية إسلامية وعربية، مسلسلات عن «الصحابى عمرو بن العاص» و«النبى يوسف» من دون أن تحفل بضوابط الأزهر أو تحفل بتهديدات بحظر عرضها فى مصر، إذ لم يعد الأزهر المعهد الوحيد الذى يدرس علوم الإسلام فى العالم العربى والإسلامى.. ولم يعد هو المصدر الوحيد للفتيا بالنسبة للمسلمين، وفضلاً عن أن تجسيد الشخصيات الإسلامية، فى الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، هو من أمور الفقه المعاصر، يتسع للاجتهاد بين فقهاء المسلمين، فإن أحداً لم يعد يستطيع أن يتحكم فيما يبث عبر الفضاء من مسلسلات وأفلام.

وربما لهذا السبب تربصت بمسلسل «الحسن والحسين» الذى يعرض على عدد كبير من الشاشات المصرية والعربية، لكى أشاهده، وأستعيد المتعة التى شعرت بها وأنا أشاهد مسرحية «عبدالرحمن الشرقاوى»، وأدهشنى أن وزير الإعلام قد ناشد القنوات المصرية، أن توقف إذاعة المسلسل استجابة لطلب الأزهر، مع أن ذلك لن يمنع المشاهدين من رؤيته على الشاشات غير المصرية، وتمنيت لو أن وزير الإعلام كان قد نبه الأزهر، إلى أنه يتحدى الزمن وأن الأوان قد آن لكى يعيد النظر فى الضوابط المتشددة التى وضعها فى السبعينيات!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

نقابى عزتى

.........

نعم ! مين الأخ اللى مش عاجبه كلام الأزهر معلش

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد ابو العزم

والله زمان يا صلاح

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

كل المصريين مع الأزهر والسلفيين والإخوان، من أنت!

لا لتصوير الصحبة وآل البيت

عدد الردود 0

بواسطة:

انشر

خلاص يعني لما لا يجسدوا الشخصيات الإسلامية

عدد الردود 0

بواسطة:

000 علاء الدين بد يـــــــوى 000

000 إلى صاحب المقال 000

عدد الردود 0

بواسطة:

نظمى

توضيح

عدد الردود 0

بواسطة:

مهندس محمد عبدالمجيد

عُذراً .. ولكن

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد ادم

انت مين انت ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

عمر المصري

الي تعليق 2

عدد الردود 0

بواسطة:

عبداللطيف خطاب

ايها العلماني اسكت

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة