صلاح عيسى

ثورة على الثورة

الأربعاء، 24 أغسطس 2011 04:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بسقوط النظام الذى أقامته -منذ عام 1969- ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية هذا الأسبوع، قبل عشرة أيام من الاحتفال بعيدها الثانى والأربعين، يصل عدد النظم الثورية العربية التى حكمت الوطن العربى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، وأسقطتها ثورات أخرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى ثمانية أنظمة فى عين العدو.. فقد سقطت ثورة 25 مايو 1969 السودانية التى قادها جعفر النميرى فى عام 1986، وسقطت الثورة الصومالية التى قادها محمد زياد برى فى أواخر الثمانينيات، وأخذتها ثورة اليمن الجنوبى من قصيرها، وقررت أن تصفى نفسها، وأن تتخلى عن الماركسية اللينية، وأن تتوحد مع النظام الذى أقامته ثورة 26 سبتمبر 1962 فى اليمن الشمالى، وسقطت الثورة الجزائرية المعروفة باسم ثورة المليون شهيد عام 1992، وفى عام 2003 سقط النظام الذى أقامته ثورة تموز العراقية، بقيادة حزب البعث العراقى قبل شهور من احتفالها بعيدها الخامس والثلاثين، وفى 16 يناير من هذا العام، سقطت ثورة التصحيح الثانية التى قادها زين العابدين بن على، وفى 11 يناير من العام نفسه، أسقطت آخر حلقة من حلقات ثورة 23 يوليو 1952.

وإذا صحت النبوءات التى تتوقع سقوط النظام السورى الذى أقامته ثورة 8 فبراير 1963، بقيادة حزب البعث السورى، وسقوط النظام اليمنى الذى أقامته ثورة 26 سبتمبر 1962، تكون كل الأنظمة الثورية العربية العشرة، التى تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، قد اختفت من الخريطة السياسية للوطن العربى، وأُجليت عنها بناء على رغبة شعوبها، وبعد ثورات وانتفاضات شعبية قامت بثورة على الثورة.

ولا مفر من التسليم بأن هذه النظم الثورية العشرة، قد قدمت لشعوبها وأوطانها بعض ما ينبغى أن يذكر فيشكر، فقد ساهمت إلى حد كبير فى تحقيق - أو استكمال- الاستقلال الوطنى، وإنهاء الاحتلال الأجنبى المباشر للأرض العربية، وحاولت أن تحقق مستوى من التنمية الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، ولا مفر من التسليم - كذلك - بأن هناك أسبابا متعددة ومعقدة وراء هذه الموجة من الثورة على الثورة تختلف بين كل نظام ثورى وآخر.

أما المؤكد فهو أن هناك أسباباً مشتركة بين هذه النظم الثورية العشرة، هى التى جعلت الشعوب العربية تبدأ باستقبال قادة هذه الثورات بالزغاريد، وتحتشد حول مواكبهم وهى تهتف «بالروح بالدم نفديك يا فلان»، وترفع صورهم فوق هاماتها، وتنتهى بالانضمام إلى الثورة على الثورة، والاحتشاد فى المليونيات التى ترفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وتودعهم باللعنات، وتضرب صورهم بالأحذية القديمة، وتحولهم من قادة ثورة خالدة، إلى قادة نظام بائد، وتشطب أسماءهم من كتب التاريخ باعتبارهم فلول ثورة مضادة.

أول هذه الأسباب، أن هذه الثورات قد قامت فى مواجهة نظام استعمارى ظل يحاول الاحتفاظ بهيمنته على مستعمراته السابقة، فتعرضت - فى البداية - لمؤامرات محلية ودولية، دفعتها لتأسيس النظم الثورية التى أقامتها، على قاعدة تقول إن تأمين النظام والحفاظ على استقراره، وتحصينه ضد مؤامرات الثورة المضادة، هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهداف الثورة، فكان تدعيم وتحديث أجهزة الأمن السياسى التى ورثتها عن النظم البائدة.

ومع الزمن تضخمت هذه الأجهزة، بسبب توالى مؤامرات الثورة المضادة، والتى كانت تكتشفها أو تصطنعها، حتى أصبحت حزب الثورة الحقيقى، الذى تتربى فيه الكوادر التى تتولى المناصب السياسية والإدارية العليا، ويختار النواب وقادة الرأى العام، سواء كان هناك حزب آخر للثورة، أو لم تكن هناك أحزاب على الإطلاق، وهى السمة الغالبة على النظم الثورية موديل خمسينيات القرن الماضى. وباتساع نفوذ أجهزة الأمن وإطلاق يدها فى إدراج من تشاء فى قوائم الثورة المضادة، شملت هذه القوائم كل صاحب رأى مختلف، من بين صفوف أنصار الثورة وأصحاب المصلحة فيها من المواطنين، حتى استقر فى الفقه الثورى العربى، الحكم بأن المواطن الصالح هو الذى ينتمى للأغلبية الصامتة، وأن المواطن الثورى هو الذى ترضى عنه، أو تستعين به أجهزة الأمن.

وما لبثت سياسة تأمين الثورة، أن تحولت - كما يقول الفريق محمد فوزى فى مذكراته - إلى تأمين للنظام، ثم إلى تأمين للقائمين على النظام، ثم إلى تأمين لأجهزة الأمن التى تقوم بالتأمين، واحتشدت السجون والمعتقلات والمنافى بأصحاب الآراء المخالفة، وازداد إحساس المواطنين العاديين الذين احتشدوا وراء هذه الثورات، لأنها وعدتهم بأنها ستحررهم من الطغيان، ومن حكم الأجهزة البوليسية الذى كان يجثم على أنفاسهم فى ظل الأنظمة البائدة، بأن هناك من يحصى عليهم أنفاسهم ويكمم أفواههم، كما كان يحدث لهم فى ظل الأنظمة التى أبادتها هذه الثورات.

وربما كان ذلك أحد الأسباب التى دفعت هذه الجماهير إلى أن تقوم بثورة على الثورة، وأن تحول النظام الثورى فى عشر دول عربية إلى نظام بائد، وتمنح قادته لقب فلول الثورة المضادة.

ولأنه ليس السبب الوحيد، فإن أهم ما ينبغى أن يشغل الذين قادوا الثورة على الثورة، هو البحث عن الأسباب التى تحوّل الثورات إلى ثورات مضادة، وتشجع الذين يتحمسون لها فى البداية، إلى تحويلها من نظام ثورى إلى نظام بائد.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

مهندس/خالد زهير

تحليل النتائج

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

عيب

عيب عليك يا عم صلاح

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة