صلاح عيسى

شعب يناير قال بثبات..

الأربعاء، 17 أغسطس 2011 03:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شغفت بقراءة المحاكمات السياسية منذ مطلع صباى، وبمتابعتها، متهما أو متضامنا مع متهمين آخرين، فى مطلع شبابى، وهويت - فيما بعد - جمع ملفات تحقيقات النيابة فى القضايا الكبرى، جنائية وسياسية وفكرية.. وكان ذلك أحد أهم أسباب حرصى على متابعة محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، على شاشة التليفزيون، وبحثى عن وسيلة أضم بها ملفات تحقيقات النيابة فيها، إلى عشرات من ملفات القضايا التى جمعتها على مدى العمر، واتخذت منها مصدرا لبعض كتبى، وآخرها كتاب «مأساة مدام فهمى» الذى صدر هذا الأسبوع، لا لكى أمارس مشاعر الانتقام والتشفى وغيرها من المشاعر البدائية الفجة التى تحيط بهذه القضية، والتى لا صلة لها بالسياسة أو بالثورة، ولكن لكى أبحث بين أوراقها عن الثغرات القانونية والإجرائية والممارسات السياسية والأعراف الاجتماعية التى ينفذ منها الفساد والاستبداد، ليكون سدها هو أهم ملامح النظام البديل الذى تقيمه الثورة، على أنقاض النظام الذى سقط.

ذكرنى الجدل الذى دار فى الجلسة الأخيرة، حول قوائم الشهود التى يطلبها الدفاع عن المتهمين أو عن المدعين بالحق المدنى، وحول قرار المحكمة بوقف البث التليفزيونى للجلسات، ببعض وقائع المحاكمة فى قضية التحريض على انتفاضة الطعام فى 18و19 يناير 1977، وكنت من بين المتهمين فيها، وأيامها لم يكن هناك بث تليفزيونى أرضى أو فضائى -محلى أو أجنبى- للمحاكمات، والصحف القومية، هى التى تتابع جلسات المحاكمة فى تغطيات مختصرة، تقتصر على أقوال شهود الإثبات دون شهود النفى، وعلى مرافعات النيابة دون مرافعات الدفاع.

ومع أن عشرة من الصحفيين العاملين فى هذه الصحف، كانوا من بين المتهمين فى القضية، فإنها لم تراع حقوق الزمالة، ولم يتورع بعض كتابها عن التحريض ضدهم وضد غيرهم، بمن فى ذلك صحفيون لم يتهموا فى القضية، وكتب أحدهم مقالا يتهم فيه «أحمد بهاء الدين» بأنه الذى خطط لكل ما حدث فى هذين اليومين من تخريب، وطالب بإدراج اسمه فى قرار الاتهام وتصدت مجلتا «روزاليوسف» و«الطليعة» لهذه الحملة، مطالبتين الصحف بترك الأمر للقضاء حتى يبت فيه، تصدر قرار بعزل رئيسى تحريرهما «صلاح حافظ» و«لطفى الخولى»، وكان الرئيس السادات لا يكف عن إلقاء الخطب والإدلاء، بالتصريحات الصحفية، معلنا بشكل شبه يومى أنه سيظل يطارد الذين حرضوا على أحداث 18 و19 يناير حتى آخر العمر وآخر الأرض، دون أن يلفت أحد من مستشاريه نظره إلى أنه بما يفعل يخالف الدستور، ويتدخل علنا وبصفته رئيس السلطة التنفيذية فى عمل السلطة القضائية، ويبدى رأيا فى قضية لا تزال منظورة أمام القضاء.

وفى الرد على هذه الحملة الإعلامية الشرسة، بدأنا باستغلال المسافة التى كنا نقطعها بسيارة الترحيلات من سجن «أبو زعبل» إلى محكمة جنوب القاهرة بباب الخلق وبالعكس، فى ترديد هتافات تلفت نظر المواطنين إلى قضيتنا، يسمعها عشرات الآلاف ممن يمرون فى الشوارع التى تقطعها سيارة الترحيلات.. كان من أبرزها شعار «شعب يناير قال بثبات يسقط حكمك ياسادات».. ولما فشلت كل محاولات الشرطة فى الحيلولة بين هذا الهتاف وغيره وبين الوصول إلى أسماع المواطنين، بما فى ذلك تغيير مسار سيارة الترحيلات بحيث لا تمر فى الشوارع المزدحمة، حاولت إرهابنا بتقديم بلاغات إلى النيابة العامة تتهمنا بأننا نردد دعايات مثيرة من شأنها تكدير السلم العام، ولكن النيابة لم تحفل بها، أو تحقق معنا فيما ورد بها.

وحين أفرج عنا بعد شهور، على ذمة القضية كنا نردد هذا الهتاف وغيره، فى قاعة المحكمة قبل انعقاد الجلسة وأثناء الاستراحة، وعند خروجنا بعد انتهائها، حتى أصبحت سمة مميزة من سمات المحاكمة وما تلتها من محاكمات سياسية.

وخلال ذلك كنت - بالتعاون مع لجنة الحريات بحزب التجمع - أصدر نشرة صحفية تطبع بطريقة «الجستتنر» البدائية، تضم موجزا لوقائع الجلسات، كنا نوزعها على الصحف والوكالات، ومع انتهاء جلسات الإجراءات فكرت فى أن تسجل وقائع المحاكمة على شرائط كاسيت صوتية، وساعدنى د.عصمت سيف الدولة المحامى، بأن طلب من المحكمة أن تأذن لهيئة الدفاع بتسجيل وقائع الجلسات لتستعين بها فى إعداد دفاعها، فوافقت واستفدت من هذا الإذن فى تسجيل وقائع المحكمة.

وأثناء إحدى الجلسات، وقعت أزمة بين الدفاع وبين المحكمة، إذ كان قد تقدم بقائمة طويلة من الشهود يطلب سماع أقوالهم، يتصدرها الرئيس السادات ووزير الداخلية والأمين العام للحزب الحاكم ووزير الدفاع.. وهو ما بدا أثناء مناقشة المحكمة للدفاع، أنها غير متحمسة له، وما كادت ترفض الطلب، حتى أعلن المحامون انسحابهم، وتعالت هتافاتنا وهزت جنبات المحكمة تضامنا معهم وهى تقول «شعب يناير قال بثبات.. يسقط حكمك ياسادات».. وأثناء خروجى من باب المحكمة قابلنى صديق صحفى كان فى طريقه إلى دمشق فى اليوم نفسه، فسلمته الشريط، وفى مساء اليوم نفسه أذاعته إذاعة «مصر العربية»، وهى إذاعة كانت دمشق تخصصها لمعارضى نظام السادات.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

د- طارق

ارجو تغيير اسم المقال

ليكون اليسار المصرى يعيش فى الماضى

عدد الردود 0

بواسطة:

يوسف حماد

د ـ طارق ...بتاع بكرة

عدد الردود 0

بواسطة:

عاطف ملاك

السادات

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

المهم الان تحليلك كخبير فيما يجرى الان من محاكمات وما هو موقفك من محاكمة اسماء محفوظ

بدون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة