سعد هجرس

باعة الثورة!

الأربعاء، 06 يوليو 2011 05:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان المشهد فى ميدان التحرير مساء الأحد الماضى عبثياً ومأساويا فى الوقت ذاته. فهذا الميدان الذى بات رمزا للثورة المصرية، ومكاناً مشعاً وملهماً لشعوب العالم بأسره، تحول إلى «سويقة» يختلط فيها الحابل بالنابل، حيث احتل الباعة الجائلون مكان الثوار، وانتزعت النداءات على الذرة والبطاطا المشوية وحمص الشام الفضاء العام من شعارات الثورة، ومطالباتها بالتغيير والحريات والعدالة الاجتماعية!

ومع تدقيق النظر فى هذا المشهد اللامعقول، لا يكون صعباً اكتشاف أن الباعة الجائلين إياهم ليسوا مجرد أشخاص غلابة يجرون – مثلنا جميعاً – وراء لقمة العيش، وإنما ينبئ سلوكهم أن لهم «هوية مزدوجة»، الأمر الذى أكده ذلك الهجوم «الحربى» الذى قاموا بشنه على المعتصمين مستخدمين السنج والسيوف، وسائر أنواع الأسلحة البيضاء، وسواء كان هؤلاء مجرد باعة جائلين، كما يقول رجال الأمن، أو مخبرين وأعوان للبوليس، كما يقول المعتصمون، فإن المؤكد أن الشرطة لم تعد تحتكر العنف فى المجتمع، وإنما أصبحت تنافسها جهات كثيرة، فى مقدمتها «البلطجية» الذين أصبحوا رقماً فى المعادلة السياسية!
والفضل فى ذلك يعود إلى وزارة الداخلية التى نفضت يدها من ملف هؤلاء البلطجية، رغم أنها تعرفهم بالاسم والعنوان، وتستطيع أن تلقى القبض عليهم بين عشية وضحاها، ومع ذلك فإنها لا تقدم على ذلك رغم أن البلاد تعيش فى ظل حالة طوارئ، ورغم أن المجتمع كله يجأر بالشكوى من استئساد هؤلاء البلطجية، وترويعهم البلاد والعباد. وقد تجلى هذا الموقف الذى تتمسك به وزارة الداخلية – كما لو أن هناك بروتوكول تعاون ومذكرة تفاهم بينها وبين إخواننا البلطجية!- فى ذلك الغياب المطلق لأى قوات تابعة للشرطة المدنية أو العسكرية فى ميدان التحرير الذى أضرم فيه الباعة الجائلون النار، وعاثوا فيه فساداً دون حسيب أو رقيب!
هذا المشهد المتكرر جعل البعض يصف وزارة الداخلية بأنها «الذراع الخفية للثورة المضادة»، وجعل البعض الآخر يضعها ضمن «الطابور الخامس». غير أن «الرجل الطيب» وزير الداخلية، اللواء منصور العيسوى، يرفض القول بأن مصر المحروسة تعانى من «انفلات أمنى»، ويرى بالمقابل أن مصر تشهد «انفلاتا أخلاقيا وإعلامياً».
كيف يا معالى الوزير؟!

الإجابة الجاهزة، هى أن هناك تواجدا أمنياً من قوات الشرطة فى الشارع بشكل مكثف أكثر مما كان عليه قبل 25 يناير، أى أن الأمن مستتب، لكن المشكلة فينا نحن الإعلاميين والصحفيين الذين نروّج لـ»شائعة» الانفلات الأمنى!

حسنا يا معالى الوزير.. الإعلام يكذب، وهناك تواجد أمنى فى الشارع بشكل مكثف، فما تفسيرك إذن لما حدث فى ميدان التحرير يوم الأحد الماضى؟، وما تفسيرك لعدم وجود شرطى واحد، حتى شرطى مرور، لا فى ميدان التحرير ولا فى الشوارع المحيطة به لساعات طويلة فى ذلك اليوم الأسود؟!

هذا عن «الغياب»، أما عن «الحضور»، فإن هناك تساؤلات كثيرة للمصريين تبحث عن إجابة من وزير الداخلية ورئيس الحكومة، أهمها عن عودة سياسة حبيب العادلى الباطشة كلما ظهرت قوات الأمن المركزى «فى المرات المعدودة لظهورها»، وعن عودة سياسة استفزاز مشاعر المواطنين «حتى بالصورة الكاريكاتورية لرجل الشرطة الذى يؤدى رقصة أفضل من فرقة رضا للفنون الشعبية بالسيوف أمام المتظاهرين!»، وعن استمرار رجال حبيب العادلى فى مواقع قيادة وزارة الداخلية رغم اتهامهم بقتل أبنائنا وبناتنا، وعن استمرار التستر على حبيب العادلى، وإحاطته بستارة كثيفة من رجال الشرطة لمنع رؤية المصريين له حتى وهو قيد المحاكمة! هل هذه كلها فبركة إعلامية يا سيادة الوزير؟! وهل بمثل هذه التصريحات يمكن استعادة الثقة المفقودة بين المصريين وجهاز الشرطة؟!

إن اللواء العيسوى ورجاله يدركون أن الاعتصام والتظاهر ليس هدفاً فى ذاته، بل إن الثورة نفسها ليست هدفاً فى ذاتها، والمطلوب لإعادة الاستقرار، ليس تعليق كل مظاهر القلق والاحتقان والتوتر على شماعة الثورة والتظاهر والاعتصام، إنما البحث عن أساس المشاكل التى لا تترك للناس خياراً سوى التمرد.

وجذور المشاكل ليست خافية على أحد، ابتداء من التلكؤ المريب فى محاكمة حسنى مبارك وزعانف نظامه، ومروراً بالاستهتار بدماء الشهداء والمصابين، ومحاولة الالتفاف حول مطالب الثورة والسطو عليها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة