صلاح عيسى

يا أسيادنا الذين فى التحرير: لا تفتحوا أبواب المحاكم الاستثنائية

الأربعاء، 20 يوليو 2011 04:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تزال فكرة إحياء قانون الغدر، تعابث بعض الرؤوس، ويطالب بها بعض الثوار، بل ويتحمس لها بعض رجال القضاء والقانون، ويبدو أنها دخلت مرحلة التفكير الجدى، على النحو الذى دفع وزير العدل، المستشار «محمد عبدالعزيز الجندى» إلى التصريح بأنه سوف يشكل لجنة لدراسة القانون، على نحو يوحى بأن فى نيته تطبيقه.
ولست فى حاجة إلى تكرار الأسباب التى أستند إليها فى معارضتى لهذه الدعوة، وخلاصتها - كما ذكرت فى مقالى الأسبوع الماضى - أن محاكم الغدر هى محاكم عسكرية، لأنها تتشكل من ثلاثة قضاة، وأربعة ضباط يعينهم القائد العام للقوات المسلحة، وفضلاً على أن قانونها لا ينص على عقوبة الحبس، بل العزل من الوظيفة والحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، وتولى وظائف الشركات، ورد الأموال التى استولوا عليها بغير وجه حق، فإن الأفعال التى يؤثِّمها القانون - كالرشوة - منصوص عليها فى قانون العقوبات، وبعضها - كالوساطة والمحسوبية - يصعب إثباته، ثم إن جريمة الإفساد السياسى التى يستند إليها المطالبون بتطبيق هذا القانون، ليست واردة فيه، ولا يمكن أن ترد فى أى قانون.
وقراءة عابرة لمحاضر تحقيقات ومضابط محاكمات «محكمة الغدر» و«محكمة الثورة» تكشف عن أن المتهمين الذين قُدموا إليها بتهمة الإفساد السياسى لم يتهموا بأنهم مسؤولون عمَّا كانت تعانيه آنذاك من فقر وجهل ومرض، أو لأنهم وقعوا معاهدة 1936، بل بوقائع محددة، وبوثائق تثبت ارتكابهم لها، كاستغلال النفوذ أو الاستيلاء على المال العام، لأنفسهم أو لغيرهم، أو إهداره، أو التربح من وظائفهم.. فقد قدم كريم ثابت -المستشار الصحفى للملك فاروق إلى محكمة الغدر بتهمة استيلائه دون وجه حق على مبلغ خمسة آلاف جنيه من أموال مستشفى المواساة بدعوى أنه قام بمجهود بصفته رئيسًا لتحرير صحيفة «المقطم» يدعو الأثرياء للتبرع للمستشفى، وقُدم إليها «عثمان محرم» - وزير الأشغال فى آخر حكومات «الوفد» قبل الثورة - بتهمة شق طريق لم تكن له ضرورة، لمجرد أنه يمر أمام عزبة له، وأعلن محرم أثناء المحاكمة، أنه على استعداد لرد ما أنفقه من ميزانية الحكومة على المشروع، بشرط أن يكون له حق استغلاله، مؤكدًا أنه سيعود بالنفع على أهالى المنطقة.. وحوكم «حسين فهمى» - مدير بلدية الإسكندرية - بتهمة إهدار المال العام على مد طريق الكورنيش إلى الكيلو 17 حيث توجد منطقة لا قيمة لها، هى منطقة المعمورة، وشاءت الصدف أن تكون هذه المنطقة فيما بعد هى المصيف المختار لأقطاب نظام يوليو.
وتوقفت محاكم الغدر عن النشاط بعد عدة أشهر، وبعد أن تبين لمجلس قيادات الثورة، أن قانونها لا ينطوى على عقوبات رادعة، وأن إجراءاتها بطيئة، وأنها حريصة على أن تتبع التقاليد القضائية، فأصدر قانون إنشاء «محكمة الثورة» لكى تحل محلها، وتتحرر من الالتزام بالإجراءات القضائية التقليدية، ويطلق لها الحرية فى إصدار ما تشاؤه من عقوبات طبقًا لتقديرها، لكنه ظل حريصًا على أن يربط تهمة الإفساد السياسى بوقائع فساد حقيقية ينطبق عليها القانون، تصدر عن شخصيات سياسية، أثناء قيامها بدور عام، وتوليها سلطة عامة.. وشملت اتهامات الإفساد السياسى التى وجهت إلى «فؤاد سراج الدين» - وزير الداخلية فى آخر حكومات «الوفد» قبل ثورة يوليو 1952 ورئيس حزب الوفد الجديد فى عهد السادات ومبارك - أنه يسر للمضاربين فى بورصة الأقطان التلاعب فى الأسعار لتحقيق أرباح غير مشروعة.
ومعنى الكلام أن تهمة الإفساد السياسى - حتى فى ظل قانون الغدر وقانون محكمة الثورة - لم تكن مجرد تعبير أدبى بلا مدلول قانونى، ولكنها كانت تستند إلى وقائع محددة، نسبت لأشخاص محددين، وهو المعنى الذى يغيب عن الذين يطالبون بمحاكمة أعضاء وأقطاب الحزب الوطنى، بتهمة إفساد الحياة السياسية، من دون أن ينسبوا واقعة محددة، لشخص محدد، بأدلة واضحة تثبت عليه التهمة.
أما الذى يدعونى إلى الإصرار على معارضة هذا الاتجاه فهو أن مثل هذا النوع من القوانين يمثل أولاً مخالفة صريحة لكل الدساتير التى تنص عادة على عدم جواز تطبيق القوانين إلاّ على الأفعال التى تقع بعد صدورها.
ثم إن التجربة أثبتت ثانيًا أن القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية، تصدر لكى تطبق على أعداء الثورة، ثم تطبق على الثوار أنفسهم، ووقائع التاريخ تثبت ذلك، فمحكمة الثورة التى أنشئت أساسًا لكى تحاكم أقطاب النظام الذى أبادته ثورة 23 يوليو، حكمت بالسجن لمدد متفاوتة على أقطاب أحزاب ما قبل الثورة، وبعد أقل من عام أو عامين أفرج عن هؤلاء وغادروا السجن، أما الذين ظلوا فى السجن وأمضوا العقوبة كاملة، أو نفذت فيهم عقوبة الإعدام فهم الإخوان المسلمون الذين حاكمتهم «محكمة الشعب»، وهم الشيوعيون الذين فكرت حكومة الثورة فى تقديمهم إلى «محكمة الثورة»، ثم استبدلتها بمحاكم عسكرية، ومحاكم أمن دولة تضم عناصر عسكرية، مع أن هؤلاء وأولئك لم يكونوا من أعداء الثورة.
ويا أسيادنا الذين فى ميدان التحرير: لا تفتحوا أبواب المحاكم الاستثنائية.. ليدخل منها أعداء الثورة اليوم.. وتدخلون منها غدًا.
ورحم الله «حسن الهضيبى» - المرشد العام الثانى لجماعة الإخوان المسلمين، الذى جاءه فريق منهم، سعداء لأن قانونًا بحل الأحزاب السياسية قد صدر واستثنى منه الإخوان، فقال لهم: لا تفرحوا بقانون إذا طال اليوم خصومكم.. فسوف يطالكم غدًا.
وذلك ما كان.. وما سيكون.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 7

عدد الردود 0

بواسطة:

وليد

يا أسيادنا.... يا أسيادنا.... ايه الحل !!

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوادهم

عندما تتلون الثوره

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوادهم

عندما تتلون الثوره

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوادهم

عندما تتلون الثوره

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوادهم

عندما تتلون الثوره

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوادهم

عندما تتلون الثوره

عدد الردود 0

بواسطة:

عاطف ملاك

المحاكمات

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة