محمد إبراهيم الدسوقى

الحقيقة والمصالحة

الثلاثاء، 12 يوليو 2011 09:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القصاص والتطهير واسترداد الحقوق، ثلاثة مطالب عادلة رفعتها ـ ولا تزال ـ الجموع المحتشدة فى ميدان التحرير كل جمعة، ولهم عذرهم وحجتهم القوية فى التشديد عليها وعلى أنه لم ينجز منها أى شىء حتى لحظتنا تلك، وأن العدالة فى العهد الثورى بطيئة بطء السلحفاة، وأن المسئولين فى الأجهزة الأمنية المتهمين بقتل الثوار وتعذيب المعتقلين يمرحون خارج أسوار السجن ويمارسون حياتهم بصورة طبيعية، بل أن بعضهم لم يوقف عن العمل ويواصل مهمته غير الشريفة فى تهديد ضحاياه ومحاولة استمالتهم للتنازل عن الدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم مقابل الحصول على دية. فضلا عن تأخر محاسبة الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بحجة أن حالته الصحية سيئة، وأنه يجب الإبقاء عليه فى مستشفى شرم الشيخ.
ولا أختلف مع أحد حول مشروعية دعوات القصاص ممن أذلوا أعناق المصريين الشرفاء وأهدروا كرامتهم فى المعتقلات والسجون غير الآدمية، وممن حولوا البلاد لبؤرة فساد وإفساد كبيرة، واحتكروا خيراتها وثرواتها، بينما عانى الجزء الأكبر من المواطنين من الفقر والمرض والمهانة، وممن قتلوا أجيالا من خيرة أبناء مصر عاش بعضهم ومات كمدا وحسرة، فى حين فضل الكثير منهم الهجرة لأوطان تقدر قيمتهم وعطائهم فى المجالات المختلفة. غير أن الغضب المشتعل داخل صدور ونفوس أهالى الشهداء والمصابين فى ثورة الخامس والعشرين من يناير يجعلهم دائما عرضة لاستغلال جماعات مرتبطة بالنظام السابق، ويقدم الرغبة فى الانتقام على ما عداها من المصالح، وحتى تستقيم الأمور وتكون جلية فإن القصد من حديثى ليس التفريط فى حقوق الشهداء والتنازل عنه على طريقة عفا الله عما سلف، وإنما الإشارة إلى أن وطننا أحوج ما يكون الآن لأمرين، هما الحقيقة والمصالحة.
فنحن نجهل حقائق ما حدث وقت الثورة وقبلها، لا نعرف على وجه الدقة من المسئول عن قتل مئات المتظاهرين المسالمين، ومن أصدر الأمر بفتح النار على المشاركين فى المظاهرات، ومن الذى كان يقود القصر الرئاسى، هل كان مبارك أم نجله جمال؟ فكل ما نسمعه ونقرأه فى صحفنا وبرامج الثرثرة "التوك شو" غير موثق ويندرج تحت بند النميمة السياسية والصحفية، إن قلت وما بال تحقيقات النيابة العامة مع قيادات وزارة الداخلية وغيرهم من المسئولين النافذين، مثل زكريا عزمى وفتحى سرور وصفوت الشريف وأحمد عز؟ سارد عليك بأن كل هؤلاء كانوا يبحثون عن إنقاذ أعناقهم وسعوا بكل جهدهم إلقاء المسئولية على عاتق طرف ثان، وأنهم لم يكشفوا عن الحقيقة.
أما المصالحة فإننا فى مساس الحاجة إليها، لأننا أصبحنا فرقا وشيعا، فهذا الفريق يتهم خصمه بأنه من التابعين المخلصين لنظام مبارك وأنه كان من أقطابه ويتوجب حرمانه من الظهور والاشتغال بالسياسة، وتوزع نياشين الثورة على هذا ويحرم منها ذاك، وتسرى القاعدة على الائتلافات الكثيرة المتحدثة باسم الثورة، الجميع يفتش وينقب عن المغانم والمكاسب الشخصية، على الرغم من أن مصالحة الذات هى الأجدى بالركض خلفها. لذلك اقترح أن نتدارس بتمعن تجربة جنوب أفريقيا عقب انهيار نظام الفصل العنصرى، حيث سعت وقبل أى شىء آخر لمعرفة حقيقة ما ارتكبه زبانية الأجهزة الأمنية القمعية من جرائم وكيفية تجنبهم المثول أمام القضاء، لمحاسبتهم على ما فعلوه بحق الأبرياء، بناء عليه قرروا تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة، وهى هيئة لاستعادة العدالة وكانت أقرب لمحكمة. ولتبسيط الفكرة فإن اللجنة كان يمثل أمامها ضحايا الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان والمتهمين بارتكابها، وتستمتع للطرفين فى حضور الجماهيرـ شرط العلانية مهم جدا، بعدها تصدر قراراتها بمحاكمة المدان أو العفو عمن يثبت براءته أو من يعفو عنه الضحية بعد اعترافه بما كان يقترفه.. فائدة هذه اللجنة التى انبثقت عنها عدة لجان أنها خلصت الضحايا من الشحن النفسى الممتزج بالغضب والكراهية، والمكاشفة بجرائم سياسة الفصل العنصرى، حينئذ هدأت النفوس وتم القصاص من الجناة، وتصالحت الأمة، ثم تفرغ الكل للعمل ودفع البلاد للأمام بدون أن تغيب عن الذاكرة دروس هذه المرحلة البشعة من التاريخ.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد شرف

المخلوقات الفضائيه تحتل سيناء

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة