د. جمال نصار

صلاحية الإسلام لكل زمان

الخميس، 09 يونيو 2011 05:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتميز الإسلام بالسماحة واليسر وصلاحية التطبيق فى كل زمان ومكان؛ فتعاليمه السمحة تنبثق من علم الله بطبيعة النفس البشرية، التى خلقها وهو أعلم بها. لكن ابتعاد الإنسان عن هدى الإسلام جرّ عليه الكثير من المفاهيم الخاطئة، التى تطمس وجه الحق، وتزيف الحقائق، وتقوض أركان عقيدته، مما يوجب على علماء الأمة ضرورة تصحيح الصورة.
ومن أهم هذه المفاهيم الخاطئة، القول بسبق النظم الوضعية والثقافة الغربية، بإقرار حقوق العدل والمساواة منذ انطلاق الثورة الفرنسية فى 26 أغسطس 1789م التى كانت مبادؤها: الحرية، والعدل، والمساواة.
وغاب عن نظر الكثيرين أن الإسلام سبق إلى إقرار هذه المبادئ منذ انطلاق دعوته؛ فقد قرر حرية العقيدة حين قال تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ (البقرة: 256)، وقرر العدل حين قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (الأنعام: 152)، وقرر المساواة حين قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: «الناس سواسية كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى»، وبذلك سبق الإسلام زمنيًا النظريات الوضعية إلى إقرار هذه المبادئ.
والإسلام الذى يُقرّ الحرية الدينية، والحرية العقلية، والحرية السياسية، لا يقر بحال حرية الشهوة، ولا انطلاق الغريزة، ولا الكلمة المسعورة، ولا التصرف الذى يدل على عدم المبالاة، الذى يؤدى إلى المساس بحقوق الغير أو المصلحة العامة، فالحرية التى يدعو إليها الإسلام هى الحرية العاقلة الراشدة. أقول هذا الكلام ليس تعصبًا أو رجمًا بالغيب، ولا تقولاً على الله – عز وجل- فالله تعالى جعل إقامة هذا الدين تكليفًا فرضه على الإنسان، وكما هو معروف أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن هذا الدين لا يقوم على الظلم والبغى، ولا يقوم مع الكيل بمكيالين، فإقامة الدين، وحفظ الضرورات الخمس، لا تقوم إلا على الحرية والعدل والمساواة وغيرها. بل ذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك، حين قرر أن حفظ البدن والنفس مُقدّم على حفظ الدين. وبذلك ارتفع الإسلام بهذه المبادئ إلى درجة الضرورات التى لا يجوز لأحد أن يتنازل أو يتخلى عنها مُكرهًا أو راضيًا، فكما لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا طعام أو شراب أو مسكن، فكذلك لا يستطيع العيش بلا حرية. والإسلام السمح لا يقف عند هذا الحد، فإنه لا يكتفى بتقرير هذه المبادئ، وجعلها من ضرورات الحياة، بل يتعدى ذلك إلى إطلاق صفة العموم على هذه الضرورات، فمنحها لكل بنى البشر بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين.
كانت هذه كلمات لابد منها؛ لتوضيح حقيقة الأمر، ورغبة أكيدة فى العودة إلى منابعنا ننهل منها ونكشف مزاياها، ولا نتسول الحرية والعقلانية عند من فقدها، ويدّعى أنها منه وإليه تعود، فما فى النار للظمآن ماء، وحتى لا نكون: كالعيس فى البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول تلك خطوة فى سلم إعادة استقراء إسلامنا، تحتاج إلى المزيد؛ لنصل معًا لا إلى سعادتنا، وإنما سعادة العالم بأسره، فتلك مهمتنا، وهذا قدرنا، وما رسالتنا إلا ذاك؛ لنملأ الدنيا عدلاً، كما مُلِئت جورًا.
ونحن نعلم أن من بنى جلدتنا من سيناصبنا العداء، وخصوصًا دعاة فصل الدين عن الدولة الذين يرفضون الإسلام حكمًا، ويدّعون البناء والمعول فى أيديهم، فعلينا أن نشحذ الهمم، ونحمل عبء هذه الرسالة على كاهلنا بعلم ورفق.وما أصدق تعبير العالم الجزائرى المجاهد، الشيخ عبدالحميد بن باديس عن واجب الدولة الإسلامية فى كفالة الحرية للفرد المسلم، قال: «حق كل إنسان فى الحرية كحقه فى الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية. والمعتدى عليه فى شىء من حريته كالمعتدى عليه فى شىء من حياته، وما أرسل الله من رسل وما شرع لهم الشرع إلا ليحيوا أحرارًا، وليعرفوا كيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة