كيف يفكر التيار السلفى المصرى فى الدين والسياسة؟

الخميس، 07 أبريل 2011 10:51 م
كيف يفكر التيار السلفى المصرى فى الدين والسياسة؟ محمد حسين يعقوب
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ تفاصيل المنافسة بين أنصار السنة والجمعية الشرعية والسلفية الحركية والدعوة السلفية لزعامة السلفيين فى مصر
◄◄ تقديم النقل على العقل ورفض التأويل الكلامى وكثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث أهم ثلاث قواعد واضحة للمنهج السلفى

الكلام عن التيار السلفى فى مصر لا يعنى بالضرورة الكلام عن الدين، لا تسقط فى ذلك الفخ الذى يهوَى مشايخ السلف نصبه دائما لكل منتقد، أو صاحب وجهة نظر مختلفة معهم، لكى يبدو الأمر فى النهاية أن المختلف معهم مختلف مع الدين، وبالتالى خاسر لمعركته قبل أن يعرف حتى أين أرضها.

الكلام عن التيار السلفى الآن كلام سياسى، والكلام فى السياسة يتحمل كل أوجه النقد ولا يجوز معه استخدام سلاح الدين ترهيبا أو ترغيبا، وطالما أن شيوخ السلف والجماعات السلفية قررت أن تلعب على المسرح السياسى المصرى بعد ثورة 25 يناير، فلابد أن يكفوا عن اتهام كل مخالف لهم بأنه ضد الإسلام، ولابد أن يكفوا عن تقسيم الناس إلى فسطاطين كما فعل الشيخ حسين يعقوب بعد الاستفتاء، وقسم مصر إلى فسطاط حق يطيع المشايخ وفسطاط آخر لم يسمع كلام المشايخ..

ولأن التكرار أحيانا يقوم بتعليم الشطار، دعنا نقول مرة أخرى أن الأمر هنا لا علاقة له بالدين أو المنهج السلفى، سواء اختلفنا أو اتفقنا معه، الأمر هنا يتعلق بتيار دينى، قرر أن يخوض غمار اللعبة السياسية بكل تفاصيلها، فليعتقد أهل التيار السلفى ما يعتقدونه دينيا، ويقولوا على المنابر ما يقولون، ولكن يجب عليهم أولا أن يقدموا لهذا المجتمع ما يكفى من الضمانات التى تحميه من استخدامهم سلاح الدين، وما يمكن ارتكابه تحت مظلته، لا نريد من التيار السلفى بداية من جمعية أنصار السنة وحتى العائدون من أفغانستان وإيران، سوى أن يكون بيننا وبينهم عهد لا ننقضه ولا ينقضونه، عهد واضح يضمن التكافؤ للمعركة السياسية، وينحى الدين جانبا عن معارك السياسة، ويضمن الأمان لهؤلاء الذين أفزعتهم تصريحات الشيخ أبوإسحاق الحوينى عن ضرورة جلوس المرأة فى المنزل وفرض الحجاب، أو ماقاله الشيخ شومان حول أن الليبرالية تعنى أن تخلع أمهاتنا الحجاب، أو ماقاله عبود الزمر عن وجوب دفع المسيحيين الجزية وعدم توليهم المناصب الهامة، أو ماحدث من هدم للأضرحة فى القليوبية واحتلال للمساجد فى إمبابة.

لا نريد من التيارات السلفية عراكا حول الأفكار الدينية، ولا نريد لهم اختفاء فى السجون كما حدث فى عصر مبارك، ولا نريد لهم بقاء سريا تحت الأرض، هم فصيل انتماؤه لهذا المجتمع واضح ومحسوم ببطاقة الرقم القومى وشهادات الميلاد، ومن حقه أن ينزل إلى الحقل السياسى ولكن طبقا لشروط وقوانين واضحة ومفهومة، ولذلك يبقى العهد الذى بيننا وبين التيار السلفى أو أى تيار دينى «مسلم أو مسيحى» قرر أن يشارك فى اللعبة السياسية واضح التكوين والمعالم، ويتكون من نقاط أربع هى كالتالى:
1 - احترام الرأى الآخر ومبادئ الديمقراطية.
2 - احترام الحريات الشخصية وما يكفله القانون والدستور من حقوق.
3 - احترام العقائد الدينية والمذاهب الأخرى.
4 - احترام مبدأ تداول السلطة، وإعلاء شأن صندوق الانتخاب،
هذا هو مانريده من التيار السلفى، ومن أى تيار آخر قرر أن يصبح جزءا من الحياة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير، أما لماذا التركيز على التيار السلفى وحده؟، فالأمر ببساطة يتعلق بفكرة إعلان التيارات الإسلامية المختلفة خوضها غمار اللعبة الحزبية، ويتعلق بما أثاره مشايخ السلف ورجال التيار السلفى من قلق ومشاكل وتصريحات صاخبة خلال الفترة القليلة الماضية، ولأن هذا الظهور السلفى إلى النور قد يبدو غريبا بعض الشىء على فئة كبيرة من أبناء الشارع المصرى، بشكل أثمر عددا من الأسئلة والاستفسارات حول ماهية التيار السلفى، والدعوة السلفية، ومن يعبر عنها داخل مصر، وأشهر أفكارها، وهو الأمر الذى سنكتفى بتقديمه هنا مجردا من أى تعليق ومن أى رأى حتى يعرف الشارع المصرى طبيعة التشكيل السلفى الموجود على الأرض المصرية بجماعاته وأفكاره المختلفة، ولكن دعنا نسبق ذلك بملاحظتين عابرتين أرشحهما لكى تتفكر وتتدبر فيهما، بعدما تنتهى من هذا الموجز السريع عن طبيعة الوجود السلفى فى مصر.

الملاحظة الأولى تتعلق بأن التيار السلفى وجماعاته المختلفة يعانون من نفس المشكلة التقليدية والأزلية لكل التيارات السياسية والدينية فى مصر، وهى ادعاء الحقيقة المطلقة، وتشويه كل ما هو تابع للآخر، ورفع راية النقل فوق راية العقل.

الملاحظة الثانية تتعلق أيضا بمشكلة أزلية أخرى هى الفرق بين النظرية والتطبيق، أو بين ماهو مكتوب فى الورق، وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، فما هو موجود فى أغلب كتب مشايخ السلف وخطبهم العلنية يختلف كثيرا عما نراه فى الواقع، وهو ما سوف يتضح لك من خلال العرض التالى.

القطب السلفى الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق ومعه الشيخ أبوإسحاق يعرّفان الدعوة السلفية بأنها دعوة الكتاب والسنة، والدين الصحيح والإسلام النقى، وهى اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح الذين هم المصدر الأول الراسخون فى العلم، والسلفيون فى كل عصر هم الفئة الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتى على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتى أمر الله وهم كذلك.

وفى موضع آخر يكمل التعريف الدكتور أحمد فريد قائلاً: النبى صلى الله عليه وسلم بشّر بأن طائفة من الأمة لا تزال ظاهرة على الحق، ترفع راية السنة، وتدعو إلى الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وأن هذه الطائفة تبقى فى كل عصر، تقيم الحجة على أهل عصرها حتى يأتى أمر الله وهم كذلك، فأهل السنة ظهورهم إما ظهور كامل ظهور حكم، وسلطان، وسيف وسنان، وأدنى الظهور كما قلنا ظهور الحجة والبيان.

فليس المقصود بالجماعة: أى جماعة فى أى زمان، أو فى أى مكان، ولكن المقصود: أن تكون على شاكلة الجماعة الأولى التى أشار إليها النبى صلى الله عليه وسلم، عندما قال: «كلهم فى النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة، ثم وضع الدكتور فريد ثلاث قواعد واضحه للمنهج السلفى هى:
1 - تقديم النقل على العقل.
2 - رفض التأويل الكلامى.
3 - كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث.
وبنفس الإيجاز نمر مرورا سريعا على الخريطة السلفية فى مصر، فالتيار السلفى ليس جماعة واحدة أو صوتا واحدا، بل هو عباءة فضفاضة تتضمن عددا متنوعا من الرؤى والأفكار، وتحت هذا العنوان العريض «الدعوة السلفية» تندمج جماعات مثل:
جماعة أنصار السنة المحمدية التى تأسست على يد الشيخ محمد حامد الفقى، وحظيت بالأنصار والانتشار، وبعد وفاته وفى عام 1969 أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة فى الجمعية الشرعية، واستمرت على هذا الحال حتى جاء عام 1972، وأعيد إشهارها مرة أخرى على يد الشيخ رشاد الشافعى لتعود إلى الانتشار فى المحافظات، لتصل ملحقاتها تقريبا إلى حوالى 100 فرع وأكثر من 1000 مسجد. ومن أشهر شيوخ أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقى، وعبدالرحمن الوكيل، ورشاد، والشيخ عبدالرزاق حمزة، والشيخ أبوالوفا درويش رئيس فرع الجماعة بسوهاج، والدكتور محمد خليل هراس، والشيخ عبدالظاهر أبوالسمح مؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.

ومن أشهر أفكار جماعة أنصار السنة، الدعوة إلى مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور، وتعتقد الجماعة أن النظام الديمقراطى نظام كافر، لأنه يعطى الإنسان حق التشريع الذى هو حق خالص لله، وأن نظام الإسلام له ذاتية خاصة، فليس له علاقة بالنظم الغربية الحديثة، لكن الجماعة ترى أن الانتخابات بالترشيح وبالتصويت وسائل جائزة فى حد ذاتها، لأن مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم فى الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز، مع مراعاة الضوابط الشرعية إذا ترجحت المصالح على المفاسد، جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى الدعوة السلفية التى تشكلت على يد مجموعة فى الإسكندرية على رأسهم محمد إسماعيل المقدم، وأسسوا جماعتهم تأثرا بالمنهج السلفى السعودى، ودخلت هذه المجموعة فى صراع شهير على الطلبة داخل الجامعات مع الإخوان المسلمين، وصل إلى قمته فى أوائل الثمانينيات، مما دفع تلك المجموعة السلفية إلى تكوين مجموعة عرفت باسم اتحاد الدعاة، تطورت وأخذت بعد ذلك اسم (المدرسة السلفية)، وأصبح محمد عبدالفتاح أبوإدريس هو رأس هذه المدرسة، أسوة بالمدارس العلمية التى كانت قائمة فى عصور الازدهار فى التاريخ الإسلامى، ورفضوا لفظ الأمير، لاعتبارهم أنه يقتصر على إمارة الدولة.

وبعد عدة سنوات من العمل الحركى والجماهيرى، أطلقوا على منظمتهم (الدعوة السلفية)، وحققوا انتشارا كبيرا فى الأقاليم، ولكن بقيت الإسكندرية هى المقر الرئيسى وصاحبة الأغلبية، ومن أشهر شيوخها الدكتور أحمد فريد، والشيخ ياسر البرهامى، وأبوإسحاق الحوينى، والشيخ محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومن أهم أفكارهم أن السلفية لا تتعارض مع التقدم، لأن التقدم فى الإسلام تقدم أخلاقى، يمضى قدما فى تحقيق رسالة الأمة، مع الأخذ بأسباب العمران المادى فى نواحى الحياة كلها، وأن المفهوم الإسلامى للحضارة، أرقى بكثير من التصور الغربى، ويأخذ تغيير المجتمع أربع مراحل لدى تلك الجماعة، تبدأ بتصفية العقائد من كل ما هو مخالف للشريعة، ثم تربية الفرد المسلم بشكل سليم، ونشر الفكر السلفى، حتى تأتى مرحلة التمكين دون انتخاب أو انقلاب، ثم تأتى مرحلة المفاصلة حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ويعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل، وينذرون الحكام وأعوانهم بالرجوع عن باطلهم، ثم تأتى مرحلة الجهاد فى حالة إذا ما رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق، فحينئذ يجاهدهم أهل الحق، لأن الصفوف فى هذه الحالة ستكون قد تمايزت، فصار بعض الشعب مع الحق، وبعضه مع الباطل.

جماعة أخرى تندرج تحت مظلة التيار السلفى هى «السلفية المدخلية» التى تعتبر امتدادا للتيار السلفى المدخلى فى المملكة العربية السعودية، وهوتيار ظهر إبان حرب الخليج الثانية 1991 كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية كالإخوان والسرورية، وتكونت مرجعية سلفية تتمترس فى أدلة من القرآن والسنة، ويعرفون بـ«الجامية» نسبة لمحمد أمان الجامى الإثيوبى الأصل، وهو المؤسس الحقيقى لهذا التيار، ويلقبون أيضا بـ«المدخلية» نسبة إلى ربيع بن هادى المدخلى، وهو أحد رموز هذا التيار فى المملكة العربية السعودية. ومن أشهر شيوخها فى مصر محمود لطفى عامر، وأسامة القوصى، ورغم عدم انتشار أفكاره بشكل مكثف فى مصر، إلا أن أشهر أفكاره عدم جواز معارضة الحاكم مطلقا، ولا حتى إبداء النصيحة له فى العلن، ويعتبر المداخلة أن الحكم بما أنزل الله أمر فرعى، وليس أصلا من أصول العقيدة، وبذلك فإن من يحكم بغير ما أنزل الله، ويشرع القوانين الوضعية، لا يكون قد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام بأى حال من الأحول.

جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى «السلفية الحركية» شكلها مجموعة من الشباب فى حى شبرا، تزامنا مع نشأة الدعوة السلفية فى الإسكندرية، ومن أهم رموزها الشيخ فوزى السعيد. والشيخ نشأت ابراهيم، والدكتور محمد عبدالمقصود، وتتشابه أفكارهم مع «الدعوة السلفية«، بل يسبقونهم فى عدم الاكتفاء بتكفير الحاكم حكما فقط، ويذهبون إلى تكفيره عينيا إذا لم يحكم بما أنزل الله، كما يعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلامية الآن من تبرج وسفور ومعاص، كلها من أمور الجاهلية، لكن لا يكفر بها.

جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى «الجمعية الشرعية» التى أسسها محمود خطاب السبكى عام 1912 تحت اسم الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية لمواجهة الاستعمار ومحاولات تغريب العقل المصرى الإسلامى، وتنتشر فروع الجمعية فى جميع المحافظات تقريبا، تملك مايزيد على 355 فرعا ورئيسها حاليا هو الدكتور الأزهرى محمد المختار محمد المهدى، ومن أشهر رموزها الشيخ عبداللطيف مشتهرى، والشيخ فؤاد مخيمر، تبدو أفكار تلك الجماعة خدمية، وتبدأ بالتعليم عن طريق فتح الكتاتيب لتحفيظ القرآن، وإنشاء المساجد، وإنشاء المستشفيات لمعالجة الفقراء، وتحقيق مبدأ التضامن الاجتماعى من خلال رؤية إسلامية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة