منتصر الزيات

كلام عن الوصية الواجبة

الخميس، 14 أبريل 2011 04:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المواريث نظام إلهى أنصبتُه محددة حصراً من الله تعالى

يُثار جدل هذه الأيام حول الوصية الواجبة، أثاره أحد المواطنين باعتباره أحد الورثة الشرعيين فى تركة والدته، والتى ضمت ورثة شرعيين أبناء وأحفادا، يحصل الأحفاد بمقتضاها على ثلث ما تجود به التركة.

أثار هذا المواطن طعنا فى صحة الوصية الواجبة التى تسمح للأحفاد بالإرث فى وجود الأبناء.. لجأ أولا إلى المؤسسة الدينية الرسمية، وهى الأزهر بهيئاته المختلفة حتى نظر طعنه أخيرا مجمع البحوث الإسلامية الذى أحال الأمر للاختصاص إلى فضيلة الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، لينظر فيه بقول فصل، انتهى خلاله إلى عدم صحة الطعن الذى أثاره المواطن حول الوصية الواجبة.. عندها قرر هذا المواطن اللجوء إلى القضاء وحمل أوراقه وأدلته ومرفقاته كلها وجاء إلى مكتبى حسن الظن بشخصى أن أؤازره، ابتغاء إقامة طعنه أمام القضاء

غير أن الموضوع أثار شهيتى ووجدت فيه مسألة شرعية وقانونية مهمة تحتاج إلى بسط وتفصيل يحقق إثراء علميا، لاسيما إذا تداخل فيه العلماء وأصحاب الاختصاص، قلت لصاحبى حسنا أن ننقل الموضوع إلى الرأى العام يتابع معنا هذا النقاش والحوار العلمى بعيدا عن الشطط أو المصلحة الشخصية، قبل أن نشتبك فى معركة قضائية بعيدا عن اهتمامات الدوائر المختصة، وعليه قمت بعرض هذا النزاع الفقهى على القراء عسى أن يتداخل معنا حوله العلماء أصحاب الاختصاص فى الأزهر وغيرهم من العلماء والدعاة وطلاب العلم.

وهنا أعرض أولا لبحث المواطن الذى سبب هذا الجدل وحمل بين يديه آراء ونقولات فقهية وشرعية لعلماء كبار من السلف والخلف والمعاصرين، رأينا ضرورة تدقيق هذه الآراء أو تلك النقولات، خاصة أنها انتهت إلى أن العمل بقانون الوصية الواجبة إثم لمخالفته حكما شرعيا محكما من المولى عز وجل.. يبقى أن أشير إلى غبطتى صاحب الطعن لدأبه ومثابرته لإجلاء الغموض حول ما يراه مخالفا.

إذن المشكلة تتلخص فى تطبيق القانون المعمول به حاليا لأحكام المواريث، والذى يعطى الحق عند توزيع التركة للأحفاد فى الإرث مع الأبناء عملا بالوصية الواجبة، بينما يرى الطاعن أن أحد أحكام المواريث يقضى بأنه فى حالة وجود الابن الصلبى على قيد الحياة، فإن أحفاد الميت المتوفى آباؤهم حال حياته لا يستحقون ميراثا فى التركة.

صاحبنا يرى أن نظام المواريث نظام إلهى أنصبته محددة، حصرا من الله سبحانه لقوله (فريضة من الله) وقوله (وصية من الله)، سورة النساء، مما يستوجب العبادة لله سبحانه التزاما بأحكامها حسبما وردت فى ثلاث آيات فى سورة النساء.. ومنها أحكام الحجب (حرمان أو نقصان) ومنها حكم أن الابن الصلبى يحجب أحفاد المورث المتوفى آباؤهم حال حياته عن الميراث حجب حرمان، ويذهب صاحبنا ويستحضر من بطون كتب الفقه والمواريث ما يدلل على صحة ما ذهب إليه، وبطلان العمل بالمادة 76 من قانون الوصية المعمول به حاليا، ومما دعم به وجهة نظره أن النبى صلى الله عليه وسلم عمل بالحجب، فقد روى البخارى وأحمد والترمذى وأبو داود وابن ماجة عن هزيل بن شرحبيل، قال: سئل أبو موسى عن ابنه وابنة ابن وأخت، فقال: للابنة النصف وللأخت النصف. وأتى ابن مسعود فأخبره بقول أبى موسى، فقال: لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبى صلى الله عليه وسلم، للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقى فللأخت.. وزاد أحمد والبخارى: فأتيت أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألونى ما دام هذا الحبر بينكم.

كانت العلة التى توخاها المشرع المصرى وهو يصدر هذا القانون المتعلق بالوصية الواجبة أنها وضعت لتلافى حالات كثرت فيها الشكوى، مثل الأحفاد الذين يموت آباؤهم فى حياة أبيهم أو أمهم أو يموتون معهم ولو حكما، وذلك بالغرق أو الحرق أو الهدم، هؤلاء الأحفاد قلما يرثون بعد موت جدهم أو جدتهم لوجود من يحجبهم من الميراث مع أن آباءهم قد يكون لهم دور فى بناء الثروة التى تركها الميت، وأحب شىء إلى نفسه أن يوصى لهم بشىء من ماله غير أن المنية عاجلته، فلم يفعل شيئا، أو حالت بينه وبين ذلك مؤثرات. أعتقد أن هذه من أهم المنطلقات التى تحتاج إلى تدقيق علمى نزيه لا يعتمد على العاطفة وحدها، وإنما يستصحب الدليل الشرعى السليم.

لا شك أن البناء على هذه العلة وحدها أمر يفتقر إلى الثبات والديمومة، وهى الأصل فى علة التشريع، فمدار التسبيب فى تخصيص الثلث الواجب بالوصية هو «قد يكون»، قد يكون الآباء بددوا هذه التركة أو نصيبهم فيها وقد لا يكون، وبالتالى التصرف بناء على هذا التخمين محل نظر.

ماذا قال المفتى المجتهد الدكتور على جمعة الذى عرفناه داعية وأستاذا أكاديميا قبل أن نعرفه مفتيا للديار المصرية.. هذا ما نتناوله فى مقالنا القادم بإذن الله.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة