محمد إبراهيم الدسوقى

احتفالية الاستفتاء

الإثنين، 21 مارس 2011 07:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
آخر عهدى بممارسة حقى الانتخابى، يرجع إلى أواخر الثمانينات، حينها عاتبت نفسى لجنوحها للسلبية وتفريطى فى حقوقى، ومنها الإدلاء بصوتى فى الانتخابات، وتوجهت مسارعا إلى دائرتى الانتخابية، لأرى بعينى عمليات التزوير لمصلحة مرشحى الحزب الوطنى الديمقراطى، من يومها أعليت لواء المقاطعة، انتظارا لليوم الذى نشهد فيه إجراء انتخابات حقيقية يختار فيها الناخبون من يريدونه بحرية بدون خشية العاقبة غير مأمونة الجانب، وتحققت تلك الأمنية العزيزة، عندما أجرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية السبت الفائت، ففى هذا اليوم البديع خرجت من بيتى للتصويت، ولوهلة لم أصدق ما أراه من جحافل بشرية اصطفت بنظام لقول لا أو نعم لتعديل مواد بعينها فى دستورنا المعيب.

حينئذ تأكدت أن الشعب المصرى استرد وعيه السياسى المسلوب، وأنه مصمم على بناء نظام ديمقراطى يليق بما قدمه من تضحيات خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأنه لن يتنازل عن حريته فى الإفصاح عن موقفه واختياراته السياسية، مهما كلفه هذا من خوض معارك مع القوى المسيطرة سواء كانت سياسية أو دينية. فالسياسية عادت بقوة للبيت المصرى ولم تعد من المحرمات، فالأحاديث داخل المنازل وفى الشوارع وأماكن العمل وعلى المقاهى لم تنقطع عن جدوى الموافقة أو رفض التعديلات الدستورية المختلف عليها بين قطاعات المجتمع وطوائفه، وعودتها ستصبح ضمانة أن الرؤساء والحكومات المصرية لن تكون فوق المحاسبة والمراجعة من المواطنين الذين أصبحوا يعرفون حقوقهم وواجباتهم، وأن نواب مجلس الشعب الجديد سوف يخضعون لرقابة لاصقة، ولم يعد مقبولا رؤية النائمين والمتحدثين فى التليفون المحمول والمطالبين بالانتقال لجدول الأعمال أسفل قبة البرلمان.

وأصدقكم القول إن ما تابعته من أحداث ووقائع جرت فى التاسع عشر من الشهر الجارى، لم يدخل فقط السرور والحبور على نفسي، لكنها أفرزت حقائق يجب أن تظل موضع إعجابنا وافتخارنا معا.

لقد اعجبنى الرقى والتحضر الذى حرص عليه المشاركون فى الاستفتاء، فلم يحاول أحد تجاوز الواقفين تحت لهيب شمس حارقة، وانتظم الجميع فى طوابير امتدت لمسافات بدون ضيق أو تبرم.

أعجبنى أيضا أن وجوه المصريين استعادت البشاشة الغائبة عنها، بسبب الهموم والصعاب اليومية الثقال التى كبل وقيد بها المصريون من قبل نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، لكى ينحصر تركيزهم وتفكيرهم فيها، ولا يلقوا بالا بالشأن السياسى وما كان يحاك من مؤامرات خبيثة لتبديل نظامنا الجمهورى لملكية جمهورية بتوريث الحكم لنجل الرئيس.

ولا حظت أن المصريين بدوا وكأنهم قدموا للمشاركة فى احتفالية وليس للاقتراع، فالآباء والأمهات اصطحبوا أولادهم الصغار والكبار معهم، واهتموا بتسجيل هذه اللحظة التاريخية، التى حسبنا أننا لن نعشيها، بالتقاط الصور للحبر الفوسفورى يزين أصابعهم، وهم ينتظرون فى الطابور، والى جوار اللجنة وهلم جره.

وعملت أن التزاحم على التصويت دفع بالكثيرين للبحث عن لجان قريبة يكون فيها الزحام أخف، ما يدل على أن المصرى خلع ثوب اللامبالاة للأبد، ويتوق لتعظيم دوره الرقابى فى إطار القانون الذى بات يستظل به الجميع دون تمييز ومحاباة.

كذلك أعجبنى اختفاء البلطجية الذين طالما كانوا علامة مميزة لمواسم الانتخابات، ومارسوا مهمتهم غير الشريفة برعاية وحماية ضباط المباحث، الذين لم يشغلهم سوى تنفيذ تعليمات القيادات فى وزارة الداخلية بتسويد البطاقات لإنجاح مرشحى الحزب الوطني. وكم من مواطن ومواطنة تعرضوا للإهانة والضرب المبرح وفى بعض الأحيان القتل لاستمساكهم بحقهم فى الانتخاب.

وما أسعدنى أكثر أن الشرطة والجيش وقفا جنبا لجنب لتأمين المقار الانتخابية بدون التدخل من قريب أو من بعيد، وشعر الكل للمرة الأولى بأن الأمن لا يضيق على الناخبين ولا يجبرهم على اختيار من لا يرغبون فيه.

أما الذى لم يعجبنى، أن الساعات السابقة على الاستفتاء اكتظت بإعلانات رجال أعمال وفنانين وناشطين سياسيين للترويج لرفض التعديلات الدستورية بشكل فج فى نظرى، لأننى اعتبرتها وسيلة ضغط غير مستساغة، وفرض جبرى لتوجه معين، على الرغم أننى من المؤيدين لرفضها.

ولم يعجبنى كذلك ما فعله المؤيدون للتعديلات بالادعاء بأن الموافقة عليها سيمنحنا الاستقرار والبدء فى مرحلة إعادة البناء، وتعاطت جماعة الإخوان المسلمين مع القضية بمعيار الحزب الوطنى بزعمها أن الرافضين يحصلون على تمويل أجنبى. عدم الإعجاب ينطبق بدوره على ما أعلنه فضيلة مفتى الديار المصرية بأن التصويت واجب شرعى ودينى، وتلك نفس الطريقة المتبعة من دار الإفتاء فى زمن مبارك، ويجدر بها ألا تعيد ذات الخطأ، ولتحيا الحرية والديمقراطية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة