د. جمال نصار

حتمية زوال نظام الطاغية القذافى

الثلاثاء، 01 مارس 2011 07:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سقوط طاغية ليبيا أمر حتمى لا محالة، كما سقط أسلافه من قبل بن على ومبارك، لأن الثورات الشعبية تحول الشعب من ركام من البشر لا يجمع بينه إلا جامع الجغرافيا، إلى مجموعة من العقلاء يربط بينهم عقد اجتماعى مقدس. فالخنوع للسلطة غير الشرعية ليس خيارًا شرعيًا، بل هو لا يليق بكرامة الإنسان وإنسانيته، وترسيخ فكرة احترام الذات واحترام الآخرين هى الأساس الفلسفى للثورات الشعبية.

وآفة الحضارات الجانحة التى نقرأ عنها فى بطون التاريخ، أو نجد بقاياها وأطلالها منثورة على جنبات الأرض هى الفساد أو الإفساد فى الأرض، بكافة أشكاله وأنواعه، وهذا ما مارسه ديكتاتور ليبيا مع شعبه، فكذب عليه، واستخدم الخزعبلات إلى أبعد حد، كل ذلك يؤدى لا محالة إلى سقوطه وزوال نظامه الاستبدادى.

فقد وصل القذافى للسلطة بطريق غير مشروع وبرره بأكاذيب كانت شائعة فى عصره الذى ورّث لنا مصائب لا حدود لها! وغدر بزملائه قادة الانقلاب وأبعدهم عن السلطة بمختلف الوسائل والأساليب، وادعى تحرير الثروة النفطية من يد الشركات الغربية!... بينما فى عام 1970م وصل الإنتاج الليبى إلى أعلى مراحله (166مليون طن) وفاق إنتاج أغلب الدول العربية الأكثر سكانًا والأوفر موارد فى عملية استنزاف مروعة!... وبعد مرور أربعة عقود من حكمه الأسود، أصبحت الشركات الأجنبية تصول وتجول وتسيطر على أغلب مرافق الإنتاج والتصدير... أين وعوده الفارغة من تحرير تلك الثروة الناضبة والتى يهدد بحرقها أثناء الثورة ؟!

كما وعد بالحرية للشعب واحترام حقوقه المشروعة... وتبين زيف ذلك عندما قام بتشكيل لجان فوضوية سماها ثورية، هدمت كل أركان الدولة المدنية الوليدة وانتهكت حقوق الناس، وعندما عارضه تلاميذ الجامعة بردود منطقية تساءل مَن أستاذ هؤلاء الذى علمهم هذا المنطق، فقيل له إنه فيلسوف مصرى يدعى عبد الرحمن بدوى... فكانت نكبته له ومصادرة كتبه عام 1973م!

والحرية عنده تعنى قتل الأبرياء من خلال تفجير الطائرات المدنية، ثم تعويض دولهم من ثروة شعبه المنكوب! فالحرية التى يدعيها هى فقط محصورة لنفسه وعائلته، يعبثون بحرية لاحدود لها! أما الشعب الليبى فقد نسى ذلك الادعاء بل وحتى أبنائه المشردون فى المنافى فإنهم معرضون للقتل والاختطاف على يد أجهزته الأمنية الإرهابية فى كل مكان وزمان.

يقول السلطة للشعب! وهو يتصدر الواجهة فى ليبيا ويستقبل الزعماء فى المراسيم المختلفة، ثم يقاتل بوحشية لا حدود لها، ويسُب شعبه ويهينه كلما سنحت الفرصة له! ويدّعى تطوير البلاد ويدعو إلى تثقيفها، وليبيا مازالت من أكثر البلاد تخلفًا فى مختلف المجالات ومازالت تعتمد على النفط كمورد رئيسى ثابت لها!

وادعى الرغبة فى تحرير فلسطين ومساعدة الشعوب المنكوبة!... وعلامات ذلك طرده الفلسطينيين بطريقة لا إنسانية، ودعواته المريبة إلى زيارة القدس وحروبه العبثية ضد مصر عام (1977م) وتشاد (1980-1987م).

وتدميره لكافة الأسلحة التى أنفق عليها مبالغ طائلة من الثروة الليبية لغرض البقاء فى السلطة من خلال التوسل للغرب لإبقائه! وادعائه العيش ببساطة ثورية وكأن الثورية هى قول وليس فعل!... ونرى عائلته تعيش فى بذخ فاحش وفضائحها منتشرة فى كل مكان!

وزعمه الحرص على ثروة بلاده!... وحوله جيش من المنافقين الأوغاد العاطلين الذين يسبحون بحمده ليل نهار ويصرف عليهم الموارد الطائلة وينفق ببذخ لاحدود له للدعاية لنفسه ولجنونه السخيف بشتى الطرق الدالة على استهانته بتلك الثروة التى كدّسها بين يديه وحرم شعبه طويلا منها!

هذا هو رصيد القذافى صاحب الفكر العبثى والتاريخ الأسود فى ليبيا!! التى أنجبت عمر المختار والسنوسى وكل الأحرار وغيرهم كثير.

هذا الشعب الليبى العظيم يستحق معاملة أفضل، وانفتاحًا أكبر على العالم، ومساحة أوسع من الحريات، ونظامًا إداريًا عصريًا حديثًا يلبى الحد الأدنى من احتياجاته البسيطة، ولكن يبدو أن هناك مجموعة حول النظام تعيش فى كوكب آخر، ولا تعرف، بل لا تريد أن تعرف، ما يجرى حولها، ولذلك ليس من المستغرب أن يثور هذا الشعب ويتمرد للمطالبة بالعدالة والإنصاف والحريات مثل جيرانه فى مصر وتونس.

فأحيانا تنجح الثورة فى معركة الهدم، فتهدم النظام قائمًا، لكنها تفشل فى معركة البناء، ويقطف ثمارها آخرون من فلول النظام القديم، أو من المتسللين تحت غبار المعركة. وأسوأ ما يصيب الثورات أن يصادر ثمارها متسلقون فى جنح الظلام، فيحيلونها نسخة منقحة من النظام الاستبدادى القديم، أو أن يتحول بعض مَن أشعلوا الثورة إلى وقود للثورة المضادة، جرَّاء أنانية سياسية مزمنة، أو لمجرد سوء التفكير والتقدير.

إن غاية الثورات الشعبية ليست استبدال حكام بآخرين، بل حكم الشعب نفسَه بنفسه، وبناء فضاء مفتوح يملك آليات التصحيح الذاتى سلميًا، ويقسِّم الحرية والعدلَ بعدلٍ. فالحذرَ الحذرَ من التنافس على مغانم الثورة، أو رفع المطالب الجزئية فى لحظات الحسم الكلية. فغاية الثورة تحرير الشعوب من أغلالها ، والانطلاق نحو واقع جديد يُحكم من خلال بناء الدولة على أسس ديمقراطية سليمة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة