شوقى عبد القادر

زكريا عزمى.. مخلب النظام

الأحد، 27 فبراير 2011 03:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كتابه "يلتسين.. من الشروق إلى الغروب" يرصد الكسندر كورجاكوف، رئيس جهاز الأمن الرئاسى الروسى السابق، تفاصيل فشل تجربة بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا الاتحادية، عقب انهيار امبراطورية الاتحاد السوفييتى، فى بداية تسعينيات القرن الماضى.

ومن أهم ما ورد فى هذا الكتاب الذى يعد الأقرب شبها فى التفاصيل التى شهدتها مصر، قبل سقوط نظام الرئيس مبارك، يقول المؤلف، إن معظم الاصلاحات الاقتصادية وعلى رأسها الخصخصة، نتج عنها إفقار شامل للسكان، وبدلا من الحكم الديمقراطى ودولة المؤسسات، حلت سلطة أساطين المال.

ويضيف كورجاكوف، كل ذلك ساهم بدرجة كبيرة فى العصف بشعبية يلتسين، فانخفضت لنسبة 4% حسب استطلاعا للرأى تم إجراؤه قبيل أن ينتهى حكمه ويتوارى عن الأنظار، إلا أن حفنة ضئيلة، من الأشخاص الذين حصلوا فى عهد يلتسين على امتيازات اقتصادية ومالية، كانت لها مصلحة فى أن يبقى يلتسين رئيسا للبلاد.

تأمل السطور السابقة، وقارن بما جرى فى القاهرة، قبل غروب شمس النظام السابق، أليس هو نفس السيناريو الذى شهدته مصر ؟ .. واللافت أن أوجه التشابه بين مبارك ويلتسين فى هذا الكتاب، لم تكن قاصرة على السياسات، بل أيضا ضمت أيضا تشابها فى أدوار الرجال، وبالأخص دور الرجل الثانى فى الكرملين، ونظيره فى قصر العروبة، إذ كان الجنرال الكسندر كورجاكوف، على المستوى المهنى هو الرجل الثانى فى الدولة بعد الرئيس يلتسين، وبنفس القياس إذا صحت المقارنة.. ضع فى الكادر الدكتور زكريا عزمى، فكلاهما يمتلك خلفية عسكرية، وخصوم كورجاكوف كانوا يطلقون عليه عدة أوصاف، إن دلت على شىء فإنما تدل على ما كان يتمتع به هذا الرجل من قدرات خاصة، أهلته لهذا الدور، فقد لقبوه بـ "جنرال القصور" و"العبقرى الشرير" و"الكاردينال الرمادى" ويعنى اللقب الأخير فى التاريخ السياسى الأوروبى، إن الكاردينال الرمادى هو الحاكم الفعلى، ولكن من وراء الستار، فمكانه دائما خلف العرش، ودوره أن يهمس باستمرار لنصف الإله الجالس عليه، ومن الممكن أن يتحول هذا الهمس الصادر من الظلال لقرارات فاعلة، ينطق بها نصف الإله القابع تحت الأضواء.

وبنفس المعنى، لكن مع اختلاف الصيغ، هناك العديد من الألقاب المحلية، للدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق، فحسب الوصف المهنى، أن دوره كان قاصرا على شؤن ديوان الرئاسة، ولكن من فى مصر كان يستطيع أن يحصر دور زكريا عزمى فى هذا المسمى الوظيفى، فقد أعتبره كثير من السياسيون والاقتصاديون وربما العوام إن زكريا عزمى هو "حامل أختام القصر الجمهورى" فى ساعات الرضا، و"مخلب النظام" فى ساعات القتال، بل منهم من قال إن عزمى هو الجسر الرئيسى فى الوصول إلى مبارك خاصة فى السنوات الأخيرة، أو بالأحرى أنه الشخص الأول الذى ينبغى أن تعرفه إذا ما أردت أن تدخل لمكتب الرئيس، بل زادوا من البيت شعراً، وقالوا إن اللحاق بركب السيدة سوزان مبارك، كان لا يتم إلا من خلال خطب ود عزمى باعتباره المسؤل الأول عن جميعة مصر الجديدة، التى كانت تشرف عليها سوزان مبارك، ومن المعروف أن أنشطة هذه الجمعية، كانت قائمة على تبرعات رجال الأعمال وسيدات المجتمع .

ويبدو أن أصحاب هذا الرأى فى توصيف زكريا عزمى، اعتمدوا على ما بثته وسائل الإعلام العام الماضى من صور لمبارك فى رحلته العلاجية إلى ألمانيا، وهى الصور التى احتل فيها عزمى مساحة بارزة، بجوار مبارك وهو يوقع قرارات رئاسية، تلاها القول، إن مبارك يدير مصر من على سرير المرض فى ألمانيا عن طريق زكريا عزمى.

تصريح بارز يؤكد هذا المعنى كان على لسان للدكتور، أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، قال فيه أنه تلقى نبأ ترشيحه لمنصبه عن طريق زكريا عزمى، وعلى هذا المنوال كان هناك العديد من التصريحات، ما بين السياسة والاقتصاد والفن وحتى الرياضة لم تخل من هذه النوعية من التصريحات قياسا على عدم مسألة هشام عزمى عقب فضيحة حصول مصر على صفر المونديال، وإن كان معظم هذه التصريحات ظل قاصرا على الغرف المغلقة، القليل منه تسرب إلى وسائل الإعلام والكثير منه كفيل الأيام بأن تكشف عنه.

ولكن عزمى، نفسه لم يكن حريصا فى بعض الأحيان على كبح جماح الإعلان عن مدى نفوذه وسطوته، وخير دليل على ذلك المواجهة الشهيرة التى شهدها مجلس الشعب فى مايو 2006 عندما بدأ الحديث عن مدى مسئولية زكريا عزمى، فى إخراج ممدوح إسماعيل صاحب عبارة الموت إلى لندن، فعلى الرغم من أن المجلس رفض بشكل قاطع طلبا موقع من 21 نائبا، بإحالة عزمى، للتحقيق بسبب صداقته بممدوح إسماعيل الأمر الذى سهل له خروجا أمنا .
فى ذلك اليوم شهد البرلمان عرضا تاريخيا أستهله رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور بالقول: ما ورد عن صداقة الدكتور زكريا عزمى بممدوح إسماعيل، لا يعد اتهاما فى حد ذاته، وقدم سرور ردا وجيها على النواب مشيرا إلى أن عزمى ليس مسئولا عن تصرفات غيره، وبرغم وجاهة الرد، خرج بعدها النواب يتساءلون، كيف خرج إذا ممدوح إسماعيل من القاهرة ؟ إن لم يكن مستفيدا من هذه الصداقة .

ولكن قبل أن يطرح النواب، هذا السؤال دافع عزمى عن نفسه قائلا :إن من واجب العدالة أن يتقدم من يشاء بإبلاغ جهات التحقيق حتى يتحمل مسئوليته عن هذه الصداقة، ولكن نبرة صوت عزمى، اختلفت عندما أشار الى أنه سوف يطارد بسيف القانون هذا التجنى والتشهير فى حقة، ووفقا لقاعدة الشىء بالشى يذكر، خاصة عندما يدور الزمن دورته، فقد تقدم مؤخرا، على محمد عبد الرؤوف على، شقيق أحد الذين لقوا حتفهم فى حادث عبارة السلام 98، ببلاغ للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، للمطالبة بإعادة فتح التحقيقات فى حادث العبارة، الذى أسفر عن مقتل ما يزيد عن ألف مواطن.

وطالب مقدم البلاغ، بإعادة ملف الواقعة لساحة القضاء مرة أخرى، كما طالبوا بالتحقيق مع عزمى، فى كيفية خروج صاحب العبارة من القاهرة، وتضمن البلاغ الذى حمل رقم " 2177 "إن قضية عبارة السلام 98 تمت تحت ضغط من أجهزة الأمن، الذى شارك فى خط سير هذه القضية، و تحت سلسلة الفساد فى مصر خلال النظام السابق، ولاسيما أثناء مناقشة القضية أمام مجلس الشعب.

وقصة تواجد عزمى تحت فى البرلمان نفسها، تستحق التوقف عندها طويلا، فبينما كان يرى البعض، أن منصب الرجل فى رئاسة الجهورية لا يحتاج إلى التواجد فى مجلس الشعب، إذا ما كان راغبا فى الأضواء أو جمع المال، إلا أن هناك من كان يرى فى أداء عزمى أثناء التمثيل النيابى، أنه بمثابة رسائل تمررها رئاسة الجمهورية، لبعض الوزراء، عندما تستشعر أن هناك استياء شعبيا من اتجاه أو قرار معين، ولعل الجميع يتذكر مؤخرا استجوابه الشهير لوزير الصحة السابق حاتم الجبلى عن بدعة العلاج الاقتصادى التى تقضى بأن يدفع المواطن رسوما فى حال ذهابه إلى المستشفيات الحكومية المجانية ليلا، ففى هذا الاستجواب تسأل عزمى "ليه المواطن رايح يتفرج على سينما ولا رايح يتعالج"؟ لتضاف هذه العبارة إلى جملته الشهيرة "الفساد فى المحليات بقى للركب"، ولكن دور عزمى لم يتوقف عن تمرير رسائل الرئاسة فى البرلمان، بل إنه كان يلعب العديد من الأدوار فمرات كان يمارس دور مبعوث الرئيس لإطفاء الحرائق خاصة إذاكان الأمر يتعلق بالكنيسة، ربما لهذا السبب أو غيره تم استثناء منصبه كرئيس لديوان رئيس الجمهورية، من سن الإحالة للتقاعد عبر قانون أقره مجلس الشعب حتى ‬لا‮ ‬يغادر منصبه إلا بمغادرة مبارك شخصيا‮.

الآن غادر مبارك، ويبدوا أن الرجل القوى سيقف وحيدا فى مرمى سهام الاتهامات التى ستطارده أينما حل أو ارتحل، ولن تتوقف البلاغات التى سيرد فيها اسمه كثيرا سواء للتنقيب عن ثرواته الشخصية وثروات أشقائه، ولكن بالإجمال سيظل زكريا عزمى من أهم أساطير عصر مبارك، التى لن تحتويها دفتا كتاب مثلما فعل الـ"الكاردينال الرمادى" الكسندر كورجاكوف، فبرغم ما روى عن كورجاكوف، من ضلوعه فى المشاركة فى التشكيلات العصابية والمؤامرات الاجرامية للإطاحة بخصومة السياسيين أو حتى فى الاستحواذ على نساء منافسيه، فمن وجهة نظر الساسة فى الغرب، إن الاعتراف بأخطاء الماضى يعنى نوعا من أنواع التطهر بمنح صاحبه طلب الغفران، أما الحال لدينا مع ساسة الشرق خاصة مع القانونين منهم فإن الاعتراف غالبا مايكون سيد الأدلة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة