سامح جويدة

الأحلام لا تأتى "دليفرى"

الأربعاء، 16 فبراير 2011 08:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أى عاقل يفهم أن عملية الهدم أسهل بكثير من عملية البناء.. فالهدم قد يكون عشوائياً أو بالتفجير، لكن البناء لا يقبل إلا العلم والهندسة، خاصة لو كانت الطموحات عظيمة وليست مجرد دور أرضى فى غيط.

ومهما تكلمنا عن صعوبة هدم النظام السابق، فستظل الصعوبة الحقيقية فى بناء نظام سياسى جديد ومرضٍ لكافة الأطراف، سواء للذين شاركوا بدمائهم فى الثورة أو الذين زاروها فى ميدان التحرير أو حتى الذين تابعوها على الفضائيات أثناء حظر التجول.. يا سادتى الثورة لم تنتهِ بعد ولا يجب أن تنتهى إلا بعد التأكد من استقرار النظام البديل.. وجلوسنا فى الشوارع واحتفالاتنا اللانهائية تؤخر ولا تفيد.. واللهاث الإعلامى الذى نشاهده الآن فى البحث عن فضائح النظام السابق والتنقيب عن فساده بين المسئولين المتهالكين والراحلين لا يعطى للناس أملاً فى الغد بقدر ما يزيدهم إحباطاً وتشاؤماً وإحساساً بالفقر أمام تلك المليارات الضائعة والثروات المنهوبة.. كما أن حجم الشائعات والاتهامات غير المثبتة التى يتداولها الإعلام حول العديد من الشخصيات العامة والاقتصادية والسياسية يضع كل من يرددها أو يطالعها فى إشكالية خلافية هل نصدق الإعلام ونحاكمهم الآن أم ننتظر نتائج التحقيقات النيابية.. فما فائدة المحاكمة الإعلامية قبل إجراء المحاكمة القانونية.. أم أن الناس مازالت تحتاج إلى شحن و احتقان حتى بعد أن سقط النظام الأسود بكل من فيه.. ألا يمكن أن نطالب بأن تشتمل حرية الإعلام التى نادت بها الثورة على بعض الحقوق الإنسانية لأى متهم.. وألا يتم اتهامه إعلامياً إلا بعد انتهاء المحاكمة القانونية والتأكد من صحة المستندات لو كان هناك مستندات من الأصل خاصة فى ظل موجة الفساد المهول الذى يتضح كل يوم ويشجع الناس على نشر شائعات أضافية بلا تدقيق, نحن نعيش عشوائية فى الاتهامات فكل من تشاجر مع بقال أو اختلف مع حلاق اتهمه بأنه من أعوان النظام الراحل وأنه تكسب من الحلاقة لأبناء الرئيس السابق أو بيع اللانشون للمسئولين.. الصحف كلها والفضائيات جميعها تفرغت لنقل ونشر هذا العبث.. وهو فى النهاية نوع من التحطيم ونشر للطاقة السلبية أو على الأقل تضيع وقت وشحن للغلابة والمحرومين.

أليس من الأفضل أن يرشدنا الإعلام لكيفية البناء وينشر تلك الطاقة الإيجابية التى نفتقدها من سنين، ألم يحن الوقت لنرى على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات العلماء والفلاسفة والسياسيين والتربويين وأن يكون حوارنا معهم حول خطط التنمية والتقدم فى كافة المجالات وآليات التغيير الحقيقى لهذا المجتمع وهذه البلد.. ألا يمكن أن نستفيد من الإعلام فى نشر الوعى بالنظام الديمقراطى وكيفية الانتخاب والاختيار الموضوعى بين المرشحين أم سيترك المجتمع ووعى الجماهير تائهاً حتى يتم اصطياده بخمسين جنيه أو بعض الخدمات الشخصية لأبناء (الدايرة) كما كان يحدث من قبل..

هل انتهت مشكلات التعليم والصحة والمحليات والضرائب والتأمينات والبطالة والفقر والتلوث والفساد، تلك القائمة الطويلة شديدة السواد، هل تلاشت واختفت من مصر بقدرة قادر بعد سقوط الرئيس؟.. أم نظن أن الجيش سوف يصنع لنا المدينة الفاضلة فجأة ويخلصنا من كافة المشاكل والمصائب ويقدم لنا دولة جديدة تشطيب سوبر لوكس تسليم على المفتاح.. هذا لن يحدث حتى فى عالم ديزنى.. نحن الآن فى الخلاء بلا نظام وبلا قائد وبلا خريطة فقط فى حراسة القوات المسلحة وربنا يسترها عليهم وعلينا.

باختصار شديد ارجوا من الأعلام المصرى بكل أنواعه وتياراته أن يتبنى رسم الخريطة وأن يتولى مسئوليته الجادة فى نشر الوعى السياسى والاقتصادى بين الناس وأن يعرض علينا عظماء هذه البلد لنختار المسئولين الجدد منهم ونستفيد من علومهم وخبراتهم. أريده أن يستضيف التربويين الوطنيين ليتحدثوا عن تعليم جديد ومناهج تشجع على الإبداع والتطوير أريده أن يعرف منهم كيف نحسن الوجه الحضارى والاجتماعى للمدرسة المجانية فى كافة النجوع الصغيرة والمدن الكبيرة، كيف نصنع فى التعليم طفرة ونحافظ على هويتنا القومية من خلال المناهج الدراسية.

أتمنى أن نشاهد فى الإعلام كبار الأطباء والمتخصصين فى إدارة الخدمات الصحية لعلهم يرشدوننا إلى الطريق الأفضل لتحسين الرعاية الصحية المقدمة للجميع وكيف نغير الإهمال والتسيب الواضح فى المستشفيات العامة وكيف نحصل على نظام تأمين صحى يوفر حياة كريمة لـ85 مليون مصرى نصفهم للأسف لا يعمل وهذه كارثة أخرى.

أريد أن نستمع لخبراء فى علوم الاقتصاد لنعرف كيف نطور مواردنا الاقتصادية ونعظم إنتاجية المصانع والأراضى والبشر.. المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد يا سادتى ورغم ذلك نبالغ فى الاحتفال بالنصر.. قد تجدون فى كلامى سخط لا يتناسب مع حالة الفرحة العارمة التى نعيشها الآن بعد النجاح الساحق للثورة.. ولكننى لا أريد لنا أن نفيق من نشوة الأفراح ونصحو وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.. فنحن بلا شك نعيش فى فوضى سعيدة الآن ولكنها لن تظل سعيدة للأبد.. لأن الوضع إن لم يسوء فهو سيبقى على ما هو عليه.. ونظرة واحدة على مشاكلنا العديدة تجبرك على التجهم بدلاً من الهتافات السعيدة.

أتصور أن الوقت الراهن بتطلب منا أن نبدأ فى المساعدة على استقرار الأمن وانتشاره وتفعيل دور وزارة الداخلية بكامل طاقتها ويتم تشجيع ذلك إعلامياً حتى تعود الثقة إلى الشرطة وفيها.

وإذا كنا نرغب فى دولة ديمقراطية بالفعل وليس بالتمنى فلابد من أن نعلم كل من حولنا أساسيات ذلك فكرياً وتنفيذياً وأن يكون هذا شاغل الأعلام الشاغل وأن يشارك الثوريين فى نشر هذا الوعى بين الملايين.. يجب أن نضع أولويات للتنمية فنبدأ مثلا بالتعليم أو بالصحة وأن نناقش تلك الأولويات وكيفية تفعيلها وتحقيق أهدافها لنشعر بها على المدى القصير وليس بعد ثلاثين عاماً أخرى.. حان الوقت لأن ينتقل الحوار فى الشارع والإعلام من مرحلة الهدم فى النظام الراحل إلى مرحلة البحث عن النظام اللاحق.. وأن نشارك جميعاً فى الاستقرار والنمو وبسرعة، لأننا لم نتوقف منذ 30 عاماً فقط بل توقفنا من قبل ذلك بكثير.. فاسمحوا لى أن أكون ضيف ثقيل على أفراح ألف ليلة وليلة وأن أنبه سيادتكم إلى أن كل منا عليه واجب كبير ودور أساسى فى صناعة مصر جديدة نحلم بها جميعاً وللأسف الأحلام لا تأتى "دليفرى"!!










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة