صلاح عيسى

نبوءة نجيب محفوظ.. وأحفاد «مأمون رضوان»

الأربعاء، 07 ديسمبر 2011 04:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كما فعل «كمال عبدالجواد»، بطل ثلاثية «نجيب محفوظ»، حين احتفل بليلة عيد ميلاده التاسع عشر فى 20 ديسمبر 1926، باستعراض مسيرة حياته خلال هذه الأعوام، فسوف أحتفل ليلة الأحد القادم 11 ديسمبر 2011 بالعيد المئوى لميلاد «نجيب محفوظ»، باستعادة لحظات المتعة التى شعرت بها، وأنا أتعرف لأول مرة على عمل من أعماله ليقودنى إلى عالمه المتخم بالنشوات العليا.
سأتذكر المصادفة التى قادتنى وأنا تلميذ بالمدرسة الإعدادية، أن أبادل جاراً لى إحدى روايات «آرسين لوبين» التى كنت أشغف بقراءتها آنذاك، برواية «خان الخليلى» التى ما كدت أشرع فى قراءتها حتى غرقت فيها تماماً، ولم أتركها حتى أتممتها، لأبدأ فى البحث عما كان قد صدر له حتى ذلك الحين، ولم يكن يتجاوز خمس روايات، وألاحق كل ما صدر له بعدها، وأكرر قراءته، وأشعر فى كل مرة بمتعة متجددة ومختلفة، تؤكد مقولة «يحيى حقى» أن القصة والرواية كالقطط «بسبعة أرواح»، تعطى قارئها - مع كل قراءة - متعة جديدة ورؤية إضافية.
سأتذكر الأسبوع الذى ادخرت فيه مصروفى، وحرمت نفسى من المتع القليلة التى كان يتيحها لى، لكى أستطيع شراء الطبعة الثانية من روايته «القاهرة الجديدة»، التى صدرت عام 1953، وضبطنى الأخصائى الاجتماعى أقرؤها أثناء فسحة الغداء، فأخذ يقلبها بين يديه، ثم قادنى إلى غرفة فى أقصى الفناء، لأكتشف لأول مرة أن بالمدرسة مكتبة، وأعرف الطريق إلى المكتبات العامة.
وبعد ذلك التاريخ بحوالى عام صدرت «بداية ونهاية»، وما كدت أتسلمها من بائع الصحف، وأسلمه مصروف الأسبوع الذى ادخرته، حتى شرعت أقرؤها وأنا أسير فى الطريق إلى المدرسة، لا أبالى بمن أصدمهم أو يصطدمون بى، حتى جلست بمكانى المختار بآخر قمطر فى حجرة الدراسة، ففتحت الرواية، وفوقها- على سبيل التمويه- كراسة الكيمياء، متظاهراً بأننى أتابع المعادلات التى كان الأستاذ يكتبها على السبورة، وكنت مستغرقاً تماماً فى متابعة صراع أبناء «كامل أفندى» من أجل البقاء، حتى فوجئت بيد المدرس تزيح كراسة الكيمياء التى أغطى بها إحدى صفحات الرواية، ليقبض عليها، ويلوح بها أمام بقية الطلبة، قائلا: «هوّ ده كتاب الكيميا بتاعك»، ثم قذف بها من النافذة، وهو يشير بإصبعه إلى باب الفصل قائلاً: «وراها».. وبينما أنا أفتح الباب، قال لى: «ابقى قابلنى إذا نجحت».
فيما بعد توقفت أمام عبارة نقلها «لينين» عن «كارل ماركس» الذى كان يقول إنه حتى فى علوم الاقتصاد والاجتماع تعلّم من الروائى الفرنسى «بلزاك» أكثر مما تعلم من أساتذة الاقتصاد والاجتماع مجتمعين، لأكتشف أننى تعلمت تاريخ مصر الاجتماعى والسياسى من روايات «نجيب محفوظ» أكثر مما تعلمت من أساتذة الاجتماع والاقتصاد مجتمعين، ليس فقط لأن الخلفية التاريخية لأحداثها كانت هى التى جعلتنى أشغف بالقراءة فى التاريخ، لكن- كذلك- لأن الصراع بين الأنماط الاجتماعية التى تنتمى إليها شخصيات رواياته جاء ليرسم خريطة للصراع الاجتماعى والفكرى الذى شهدته مصر خلال مرحلة ما بين ثورتى 1919 و1952، وما تلاهما حتى رحيل «محفوظ».
ولم تكن مصادفة أن أحداث أولى روايات المرحلة الواقعية فى كتاباته وهى «القاهرة الجديدة» كانت تدور حول الصراع بين ثلاثة أنماط تنتمى للطبقة الوسطى الصغيرة فى مرحلة ما بعد ثورة 1919، تضم الانتهازى «محجوب عبدالدايم» الذى كان يرفع شعار «طظ» لكل شىء، والثانى هو الاشتراكى الطوباوى «على طه» الذى تأثر بأفكار «أوجست كونت»، وأخذ يناضل من أجل العدالة والديمقراطية، والإسلامى «مأمون رضوان» الذى يحلم بإعادة مجد الخلافة الإسلامية، وأن آخر روايات هذه المرحلة، وهى «الثلاثية»، قد انتهت، وقد جمع السجن الشقيقين «عبدالمنعم شوكت» العضو النشط فى جماعة الإخوان المسلمين، وأحمد شوكت «الكادر الشيوعى» فى زنزانة واحدة، ونبوءة مبكرة بأن هذين التيارين سيكونان فرسى الرهان فى صياغة مستقبل الوطن.
وربما لهذا السبب ولغيره سوف أتذكر- فى ليلة الاحتفال بالعيد المئوى لميلاده- أن أحد أحفاد «مأمون رضوان» هو الذى قطع منذ سنوات وريدا فى رقبة «نجيب محفوظ» لكى يشل يده عن الكتابة، وأن حفيداً آخر استقبل الاحتفال بتصريح قال فيه إن أعمال «محفوظ» تروج للدعارة والفسق والمخدرات، وأن نتائج الانتخابات العامة التى تجرى الآن قد تسفر عن أغلبية تتيح لهؤلاء الأحفاد أن يحكموا مصر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 9

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد مأمون رضوان

ليس كلهم أبناء مأمون رضوان أو إخوة عبد المنعم الشحات

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف انور

سد الله فاك

عدد الردود 0

بواسطة:

طه موسى

شكرا على هذا المقال الجميل

وتفضلوا بقبول وافر الإحترام والتقدير

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

للاستاذ صلاح عيسي

عدد الردود 0

بواسطة:

tony

لرقم 2

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف انور

رد

عدد الردود 0

بواسطة:

علي عبد الحليم

الـــــــــنـــــــــــــافـــــــــــــــــــــــــــــــذة

عدد الردود 0

بواسطة:

مهندس محمد عبدالمجيد

عـُذراً .... هذا التعليق للقاريء الكريم وليس لكاتب المقال !!!

عدد الردود 0

بواسطة:

Xadrian

awYGsatAXf

Your article was exclelnet and erudite.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة