سامح فوزى

الديمقراطية أنواع

الإثنين، 05 ديسمبر 2011 04:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«لارى دايموند»، أهم الباحثين المعاصرين اهتمامًا بالديمقراطية، تشهد على ذلك كتاباته المهمة فى هذا المجال، التى تناولت التجارب الديمقراطية شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا.. هو أستاذ فى معهد «هوفر» بجامعة ستانفورد الأمريكية، زامل فيه كوندليزا رايس التى أصبحت لاحقًا وزيرة الخارجية فى عهد إدارة جورج بوش. وله كتاب، للأسف لم يأخذ حقه فى المتابعة والتحليل فى العالم العربى، هو «الفوز المجهض فى العراق»، كتبه على خلفية شهور قضاها فى العراق، مرسلاً من الإدارة الأمريكية، فعاد منها ليكتب كتابًا غزيرًا ومهما ينتقد فيه خبرة الاحتلال الأنجلو -أمريكى للعراق.

نعود إلى مسألة الديمقراطية. يفرق «لارى دايموند» بين نوعين من الديمقراطية. ديمقراطية القيم، وتعنى القيم التى يقوم عليها النظام الديمقراطى مثل الحرية الشخصية، حرية الرأى والتعبير، حرية الاعتقاد، التنافس السلمى بين المختلفين سياسيّا، إلخ. وإلى جوار ديمقراطية القيم ما يطلق عليه ديمقراطية الإجراءات وتعنى العملية الانتخابية من وجود ناخب، ومرشح، وحملة دعاية، وقانون ينظم الانتخابات، وصندوق انتخابى، وأصوات، وأخيرًا فائز ومهزوم. الاثنان، أى القيم والإجراءات، تنتجان النظام الديمقراطى، فلا يصح أن نهمل الأولى لصالح الثانية، ثم نقول الجماهير هى التى اختارت.

التيار الإسلامى، بتفريعاته ودروبه، يعرف جيدًا «ديمقراطية الإجراءات»... كيف يعبئ الناخبين، ويعمل على مستوى القطاعات الشعبية بالخدمات الاجتماعية، والخطابات الدينية، والعلاقات الشخصية. ونظرًا لأن هناك قطاعًا من الجماهير ينتخبه، لأسباب تتعلق بالخدمات، والإفادة من فائض التدين عند الناس، والخوف الذى زرعه فى الجماهير على الهوية الإسلامية، فإنه يتمسك بديمقراطية الإجراءات، أى ما يفرزه صندوق الانتخاب، حتى وإن لم يمتثل للقيم الديمقراطية، ولنا فيما حدث مع الأستاذ جورج إسحق فى «بورسعيد» ومصطفى النجار فى «مدينة نصر» المثال والعبرة.

التيار الليبرالى يروج لــ «ديمقراطية القيم»، أى يسعى لنشر القيم الليبرالية المتعارف عليها فى المجتمعات المتقدمة ديمقراطيّا من التأكيد على الحريات العامة، والحقوق والحريات الشخصية، والقيم الأساسية التى لا يجوز لأى أغلبية أيّا كان توجهها، أن تعصف بها. ديكتاتورية الأغلبية شىء مفزع، والديمقراطية - فى جوهرها - ليست فقط حكم الأغلبية، ولكن أيضًا حماية للأقلية. ولكن التيار الليبرالى ليس ماهرًا فى ديمقراطية الإجراءات.
الصورة فى مصر تحتاج إلى إعادة توازن.

يهتم التيار الإسلامى بصون القيم، ولا يضع عينيه فقط على صندوق الانتخاب. ويهتم التيار الليبرالى بالتواصل مع الجماهير، وتبنى مشكلاتهم الاجتماعية، وتطوير لغة الخطاب معهم، أى يهتم بإجراءات الديمقراطية.

النتيجة التى تمخضت عنها الجولة الأولى من الانتخابات تعكس بالفعل أن ديمقراطية الإجراءات تكسب على ديمقراطية القيم. الحشد الجماهيرى يتفوق على محاولات بناء نظام سياسى يقوم على أساس قيم رئيسة لا يصح العبث أو التلاعب بها. أهمل التيار الليبرالى التواصل مع الجماهير، واكتفى بالندوات والفضائيات، أما التيار الإسلامى فاقترب من الناس خاصة الذين يعتصرهم الجهل، وتدهور الوعى الثقافى.

نحن إزاء خريطة سياسية تتشكل فى المجتمع المصرى. لا يصح معها غياب التفاؤل، أو اعتبار أن المسألة خسارة ومكسب، ولكن إعادة النظر فى استراتيجيات التعامل مع واقع معقد وملتبس. بروز «الكتلة المصرية»، رغم حداثة تكوينها، وحصولها على أصوات قطاع لا يستهان به من المصريين، يعنى أن فى الإمكان طرح بديل ليبرالى يحظى بدعم الجماهير. فقط المسألة تحتاج إلى العمل بجدية على مستوى الشارع، لأن بالتأكيد هناك قطاعات أخرى من الطبقة الوسطى لم يصل إليها من «المشروع الليبرالى» سوى كونه مناقضًا «للمشروع الإسلامى»، مما استنفر بداخلها نوازع الالتئام حول «الهوية الجمعية».

كفى استقطابًا إسلاميّا علمانيّا، المطلوب الآن أن ينزل كل طرف ساحة «السياسة الفعلية»، وليس المساجلات الفضائية، بما لديه من برامج، وسياسات عامة، ورؤية للنهوض بالمجتمع المصرى. المواطن الذى مارس حقه الانتخابى سوف يعاقب بشدة من لم يحترمه. وسوف تثبت الأيام ذلك.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة