صلاح عيسى

الديمقراطية ليست نزهة

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011 03:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الأسبوع الماضى، استوقفنى أو اتصل بى هاتفيا من دون معرفة سابقة مواطنون، ليتحدثوا إلىّ فى نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وأدهشنى تشككهم فى الديمقراطية، التى أسفرت عن هذه النتائج، ويأسهم من أن تقود مصر إلى أى تقدم.

قال لى أستاذ جامعى يشير إلى عامل نظافة، كان يقوم بعمله فى مواجهتنا: كيف يتساوى هذا الرجل معى، فيكون لكل منا صوت واحد فى اختيار أعضاء مجلس الشعب، على الرغم من التفاوت الواسع بينى وبينه، وفى مدى القدرة على التمييز بين أهلية كل مرشح من المرشحين للقيام بالدور المنوط بعضو مجلس الشعب.

وفى تنويعات على اللحن نفسه، قال الآخرون، إن العوام من الناس يعيشون تحت ضغط الحاجة للبحث عن الرزق، ولا يجدون وقتا للتعرف على برامج الأحزاب السياسية، أو آراء قادتها، وهو ما كان يدفعهم خلال الأعوام الستين السابقة للانصراف عن الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات العامة، خاصة مع تكرار عمليات تزويرها، مما أدى إلى انعدام معرفتهم بالشأن العام، ثم فوجئوا بمن يدعوهم لإبداء الرأى فيمن يصلح لممارسة سلطة الرقابة والتشريع، ويتوعد كل من يتخلف عن ذلك بدفع غرامة خمسمائة جنيه، فوقعوا فريسة لسماسرة الانتخابات الذين أوهموهم بأنهم مدعوون لاختيار فرقة، لصد خطر جسيم يتعرض له المسلمون، فكانت النتيجة أن خلطوا بين من يصلح نائبا فى مجلس الشعب، ومن لا يصلح إلا لأن يكون شيخا لزاوية، أو إماما لجامع، أو واعظا فى الفضائيات.

خلاصة ما انتهى إليه هؤلاء، أن هناك ضرورة لأن ينص الدستور الجديد على الربط بين حق الانتخاب ومستوى تعليم الناخبين، بحيث يكون للأمى ومن فى مستواه صوت واحد، ويكون لمن يحمل شهادة متوسطة صوتان، بينما يكون للحاصلين على شهادة جامعية أو ما هو أعلى منها، ثلاثة أصوات.. وبذلك يكون للمتعلمين، ثقلا يؤثر فى نتائج الانتخابات العامة، ويوازن الكثرة العددية للعوام وأشباههم.. فى بلد تصل فيه نسبة الأمية إلى أكثر من 40% من عدد السكان، ومن المقيدين بجداول الانتخابات!
ولا جديد فى القول بأن الشعب المصرى-أو غيره من الشعوب- لم ينضج بعد لممارسة الديمقراطية، وأن تحكم العوام وأشباههم فى الشؤون العامة يفسد النظم السياسية!
فقد كان هذا هو الاتجاه الذى أخذ به التطور الديمقراطى والدستورى فى كل بلاد العالم، ومنها مصر التى أخذت بالتدرج فى منح الحقوق الديمقراطية، منذ بدأت تجربتها النيابية عام 1866.. وروج المحتلون البريطانيون لفكرة أن الشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية، وأنه ما يكاد يحصل على قدر من الحرية، حتى يستغلها لممارسة أبشع أشكال الفوضى، ووصف عبدالعزيز فهمى باشا دستور 1923 الذى لعب دورا رئيسيا فى صياغته، بأن التجربة أثبتت أنه ثوب فضفاض، أى أوسع كثيرا من مقاس المصريين.

وكان هذا هو الاتجاه الذى أخذت به ثورة 23 يوليو 1952، التى ألغت التعددية الحزبية، وصاغت دساتير تدمج كل السلطات فى السلطة التنفيذية، وتحول مسؤولية الحكومة أمام البرلمان إلى سراب.

ولا جديد فى المطالبة بالربط بين الحق فى الترشيح والانتخاب، وبين توفر شروط خاصة فى المرشح أو الناخب، فقد كان حق الترشيح والانتخاب مقصورا فى البداية على عُمد البلاد ومشايخها، ثم أضيف إليهم من يدفعون ضرائب تجارية، لا تزيد على خمسة جنيهات فى السنة، وعرفت الانتخابات التى تجرى على درجتين، يختار كل 50 ناخبا فى الدرجة الأولى مندوبا عنهم، ثم يختار هؤلاء المندوبون نائب الدائرة.. وعرفت مصر الانتخابات التى يشطب فيها الاتحاد القومى، والاتحاد الاشتراكى عددا كبيرا من المرشحين، لأنهم من أعداء الثورة!
وبصرف النظر عن أن الاقتراح الذى يربط التصويت فى الانتخابات بمستوى التعليم، سوف يواجه صعوبات عملية، تحول دون تطبيقه، كما أنه يصطدم بالمعايير الدولية التى تضمن للجميع المساواة والحق فى ممارسة الحقوق السياسية، فإنه لن يحقق الهدف منه، فما أكثر الذين وصلوا إلى أعلى مستويات التعليم، ومع ذلك فإن وعيهم السياسى لا يختلف عن وعى العوام، والمحكات التى يختارون على أساسها النواب، لا تختلف عن محكات الأميين.
خلاصة الأمر أن الديمقراطية ليست نزهة فى طريق مفروش بالورود، ولكنها رحلة شاقة فى طريق لا يخلو من الفخاخ، والعثرات، وإساءة الاختيار، والشعوب لا تتعلمها إلا بالممارسة، حتى تستطيع أن تميز بين الصواب والخطأ، وبين انتخاب نائب لمجلس الشعب، واختيار شخص لا يصلح إلا أن يكون شيخا لزاوية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

ابورنا

كلام جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو ايمن

يا سلام تعليق معلم يا أبو رنا

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد سالم

تخاريف

تخاريف يساريه

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد خضر

آخر ابتكارات النخبة!!!!!

عدد الردود 0

بواسطة:

طارق

نظرة عنصرية للغير

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد ابوودن

لا لا لا لا

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

الليبرالية .........ام الحرية

عدد الردود 0

بواسطة:

مرسي الصاوي

للأسف الديموقراطية سلاح ذو حدين

عدد الردود 0

بواسطة:

أسامة الشريف

تخاريف عاجزة

عدد الردود 0

بواسطة:

د محمد عبد البصير عبد الفتاح

استاذ ابو رنا عندك كل الحق

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة