صلاح عيسى

القانون فى إجازة

الأربعاء، 05 أكتوبر 2011 07:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأ شغفى بالقراءة فى القانون ومتابعة وقائع القضايا السياسية، بعد أن فوجئت باعتقالى لأول مرة عام 1966، ولم تكن معرفتى بالقانون أيامها تزيد على معلومات متناثرة، جعلتنى أجزم بأن أحداً لا يملك السلطة القانونية لاعتقالى، ففى مارس 1964 أعلن عن انتهاء حالة الطوارئ، وأفرج عن مئات من المعتقلين السياسيين.

وفضلاً عن ذلك فإننى لم أكن من بين الفئات التى صدر - قبل إعلان الدستور بأيام - قرار بقانون يجيز لرئيس الجمهورية أن يعتقل المنتمين إليها - حتى لو لم تكن حالة الطوارئ معلنة - وكانت تشمل كل من سبق اعتقاله أو اتهامه أو الحكم بإدانته من محاكم الثورة والشعب وأمن الدولة.

وجاءت الطوبة فى المعطوبة، حين ارتكبت حماقة ثورية بسيطة، تتمثل فى ثلاث مقالات، انتقدت فيها ثورة يوليو وجدت نفسى فى معتقل طره السياسى، حيث بدأت أبحث عن السند القانونى لقرار اعتقالى.

وبعد مناقشات طويلة مع رجال القانون، كتبت عريضة تجمع بين الاستفهام والاستنكار، متسائلاً عن الإسناد القانونى، لقرار اعتقالى، مؤكداً أنه يفتقد لأى شرعية قانونية أو دستورية. وبعد نصف ساعة من تقديمى العريضة إلى سعادة الباشا مدير معتقل طرة السياسى، استدعانى سعادته، ليقول لى وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة: عندك حق.. قرار اعتقالك يفتقد فعلاً لأى شرعية قانونية أو دستورية.. بسّْ إزاى واحد ثورى زى حالاتك.. ما قدرش يفهم أن القرار صدر استنادا إلى الشرعية الثورية؟

وأدركت أن الرجل يسخر منى، ومن الذين اعتقلونى، ويسخر من المنطق الثورى، الذى انتهى بأن أصبحت الثورة تعتقل حلفاءها، وتعين أعداءها حراسا عليهم!

لكن هذا المنطق الثورى، الذى يحتقر القانون، بدعوى أن الثورة فعل حر، يطلق يد السلطة الثورية، فى أن تفعل ما تشاء، طالما أن الهدف شريف وهو حماية الثورة، كان سائداً على نحو يصعب التصدى له أو التحذير من مخاطره.. ففى وقت مواكب لذلك - كما قرأت فيما بعد - وفى مكالمة هاتفية بين المشير «عبدالحكيم عامر» - نائب رئيس الجمهورية - وبين «سمير ناجى» رئيس نيابة أمن الدولة العليا، سأله المشير عن مبرر رفضه لإصدار قرار بالقبض على أحد المشتبه فى أن لهم صلة بقضية سياسية كان يتولى التحقيق فيها، اعتذر رئيس النيابة بأن وقائع التحقيق لا تؤكد هذه الشبهات، وأن القانون لا يسمح له بالقبض عليه، وفى لهجة انفعالية غاضبة، قال له المشير: قانون إيه؟.. بلاش تخلف!

وهو الذى دفع «سعد زايد» وزير الإسكان أيامها، إلى شن حملة لإعادة مبالغ «خلوّ الرِّجل» التى كان أصحاب العقارات يتقاضونها من مستأجرى الشقق السكنية.. فأخذ يستدعى الطرفين إلى مكتبه، ويستمع لأقوال السكان، ثم يصرح للجميع بأنه أعطى القانون إجازة، ويهدد مالك العقار، بوضعه تحت الحراسة إذا لم يرد الخلو لأصحابه، فيعيده وهو صاغر.. وهو تصريح تحمست له، حين قرأته أثناء فترة اعتقالى، ولم أتنبه إلى أن إعطاء القانون إجازة هو الذى أضفى مشروعية على قرار اعتقالى، حتى قرأت مقالا للدكتور «جمال العطيفى» فى «الأهرام» يعترض على تصريح الوزير وإجراءاته، وينبهه بأن خلو الرِّجل جريمة فى القانون القائم، ولكن أحداً لا يطبقه، وإنه كان عليه أن يقول إنه سيستدعى القانون من الإجازة بدلاً من أن يتركه فى الثلاجة، ويمنح قانون الإجراءات القانونية إجازة هو الآخر!

وكنت ما زلت فى المعتقل - تطبيقا لقانون الطوارئ الذى كان قد عاد للعمل بعد هزيمة 1967 - حين كتب «د.جمال العطيفى» مقالاً فى «الأهرام» فى أحد أيام شتاء 1969، يلفت فيه النظر إلى أن العدد الأخير من جريدة «الوقائع المصرية»، قد نشر قراراً لوزير العدل يعود تاريخه إلى عام 1956، ويلمح فى نهايته إلى أن هناك قرارات جمهورية وقوانين تصدر، ولا تنشر فى الوقائع الرسمية، وأن بعضها لا تطبع منه إلا نسخا محددة، لا يطلع عليها سوى الذين يناط بهم تنفيذها، مع أن نشر القوانين وإتاحة الفرصة أمام الجميع للاطلاع عليها، هو أحد شروط نفاذها!

وفى اليوم التالى اعتقل «جمال العطيفى»، وقال بيان للاتحاد الاشتراكى، إن المقال يشكك فى الشرعية الثورية!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد كمال

يعنى المقاله موش بيضاء

(( مضرب عن التعليق ))

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد الجزيري

رجال كل الرئيس

والله عال أوي يا رجالة المخلوع

عدد الردود 0

بواسطة:

Medhat mostafa

النظام الأمريكى وحريه الأفراد

عدد الردود 0

بواسطة:

حسن سعيد محمد محمود

رسالة ارجوا من سيادتكم توصيلها لوزير الاسكان

عدد الردود 0

بواسطة:

القانون فى إجازة

القانون فى إجازة

القانون فى إجازة

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد زكى

وشهد شاهد

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة