جمال نصار

خُلُق العطاء ودوره فى بناء المجتمع «3/3»

الخميس، 20 أكتوبر 2011 04:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التحرر من حب المال وغيره من الشهوات يعطى الإنسان هوية الخلاص والانطلاق إلى أفق رحب من السمو والالتفات إلى عبادة الله فى كل أمر، عندها يتخلص من كل ضاغط مادى يمكن أن ينقلب إلى سجن وسجان. وإذا كان هذا العطاء يفيد الناس والآخرين، ويساهم فى نشر الود والألفة والوئام والحب والخير، إلى جانب مساعدة من لا يجد القوت وغيره، فإنه فى ذات الوقت يفيد صاحب العطاء فائدة كبيرة من خلال تحريره وتحرير نفسه من العلائق والشهوات.

قد يكون السؤال المفترض هنا: هل يعنى الحث على البذل والعطاء دفع المسلم إلى تقديم كل ما يملك وإعطاء كل ما بيده دون حساب؟ وهل هكذا يكون العطاء؟ وإذا كان كذلك، فهل العطاء يعنى الإسراف والتبذير؟!

لا يمكن أن يكون الدين الإسلامى الذى عمل على بناء الإنسان، هذا البناء المُحكم الدقيق، أن يدعو إلى مثل هذا الاختلال فى الأمور والفوضى والتصرف.. فالإسلام دين اعتدال والاعتدال ضد الإسراف والتبذير وعلى نقيض منهما. وإذا كان الاعتدال نظامًا وتنظيمًا فإن الإسراف خلخلة وفوضى، وإذا كان الاعتدال وسطًا فى الأمور، فإن التبذير شطط ومبالغة فى الشطط، قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» وقال: «وكلوا واشربوا ولاتسرفوا» وقال أيضًا: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» وفى الحديث الشريف «كلوا واشربوا وتصدقوا فى غير سرف ولا بخل».

فالعطاء على هذا وسط بين البخل والإسراف، فلا هو بخل ولاهو إسراف. وإذا كان البخل يأسر النفس ويوقعها فى حب المال وجعل الحياة تابعة لذلك، فإن الإسراف لا يخرج كثيرًا عن هذا الخط، إذ إنه يوقع النفس فى أسر تبديد المال وتبذيره دون وجه حق ومن خلال الخضوع المطلق لأهواء النفس وشهواتها ونزواتها. وما كان الإسلام ليأمر بهذا أو ذاك، وهو الدين الذى يطهر النفس ويسعى إلى تحريرها وإبعادها عن الوقوع فى شرك أى هوى.

هكذا يفهم العطاء على حقيقته وصورته. ولا يعنى هذا وضع قيود أو ضوابط أو حدود للعطاء والبذل والسخاء، فقد يعطى الإنسان كل شىء فى أمر من الأمور يكون فيه منفعة وفائدة لجماعة المسلمين. وقد يعطى كل ماله عن طيب خاطر وعلى هذا الشكل أو ذاك مما فيه خير يعم وفائدة تصل.

وأرى أن الإسلام لم يقل إن كل عطاء كبير إسراف وتبذير، فالمهم الطريق الذى يذهب فيه العطاء، والطريقة التى صرف بها المال قل أو كثر.

إن قيمة إرادة العطاء من القيم الأخلاقية الأصيلة والأخذ بها يزيد فى قوة شخصية الفرد والجماعة وتسود العلاقات الإنسانية الخيرة، والنية هى الأساس والمرجع والميزان، فمن كانت نيته الخير والمنفعة، فهو خير، ومن كانت نيته التفاخر والتباهى والظهور، فله حسب نيته.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة