سعد هجرس

من المسؤول عن مذبحة ماسبيرو؟

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011 04:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التفاصيل مهمة لوكيل النيابة، لكنها ليست هى الأهم بالنسبة للوطن والأمة، فليس مهما الجدل حول من بدأ بإطلاق النار، أو نوعية السلاح المستخدم، أو اسم من ضغط على الزناد، فهناك فى النهاية حريق اشتعل، ودماء سفكت، وأرواح أزهقت.. وهى كلها لمصريين، والأخطر أن النار التى اشتعلت فى ماسبيرو ستظل كامنة تحت الرماد، حتى لو بدا من السطح أنها قد أطفئت.
ولا يستطيع أحد الادعاء بأنه قد فوجئ بما حدث، فكل أسباب الاشتعال والانفجار كانت ومازالت موجودة بوفرة، وأعواد الثقاب جاهزة على مقربة من براميل البارود، تنتظر مجرد «احتكاك» تافه.
والملف القبطى معروف، ومشاكله موصوفة، وتداعياته ليست خافية على أحد، ومع ذلك ظل الإهمال والتجاهل، وإذا كان النظام السابق قد استخدم هذا الملف ليقلب المصريين على بعضهم البعض لإلهائهم عن جرائمه التى أوصلت البلاد إلى ذيل قائمة الدول البائسة «حيث احتلت الترتيب رقم 57 من بين 60 دولة فى العالم»، فإن من بيدهم الحل والعقد بعد 25 يناير تركوا كل شىء على حاله، وكأنه لم تقم ثورة فى مصر، وأن هذه الثورة لها استحقاقات يجب أداؤها بصورة فعالة وجادة فى ظل شفافية مطلقة.
وكانت نتيجة هذا الموقف البيروقراطى - الذى تعلل بأننا نمر بمرحلة انتقالية والذى استغلته قوى الثورة المضادة بكل تأكيد - تكرار اشتعال الحرائق هنا وهناك، وإعطاء الفرصة والمناخ المواتى لتنشيط «جرثومة التفكك» التى بدأت تنخر فى الأطراف على النحو الذى رأيناه فى سيناء والنوبة، ثم هاجمت القلب ذاته بالشكل الذى نراه فى الملف الطائفى.
وهذه نتيجة غير مفاجئة بالمرة فى ظل سوء الأداء، فيما يتعلق بإدارة البلاد عموما، وإدارة الأزمات خصوصا منذ 11 فبراير حتى الآن.
وليست أحداث أسوان الأخيرة التى أدت إلى مصادمات ماسبيرو الدامية سوى إحدى هذه الثمار المرة.
وبالطبع فإن الملف متخم ومفخخ وبالغ التعقيد، لكن ما يثير العجب والسخط، هو أن هناك أمورا فى متناول اليد كان من السهل الإقدام عليها واتخاذ قرار بشأنها، وكان من الممكن بمثل هذه القرارات أن تحدث فرقا، أو أن تنزع فتيل الاشتعال، لكن لم يتم تفعيلها.
فقد قلنا مرارا وتكرارا إن الاحتكاكات والاحتقانات الطائفية يمكن تقليصها بشدة بموجب مرسوم قانون يزيل القيود والعراقيل الإدارية والبيروقراطية المفروضة على بناء الكنائس، خاصة أن هذه القيود هى المسؤولة عن النسبة الأكبر من الحوادث الطائفية، وآخرها الحادثة التى كانت كنيسة أسوان سببها.
وقلنا مرارا وتكرارا إن هناك حاجة ماسة لصدور مرسوم بقانون يجرّم التمييز بين المواطنين المصريين بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو المكانة الاجتماعية، خاصة فى مجال شغل الوظائف العمومية فى كل القطاعات دون استثناء، فصدور هذين القانونين لا يحتاج شيئا أكثر من توافر الإرادة السياسية، وسيكون من شأنهما إطفاء حرائق كثيرة قبل اشتعالها، مع الاعتراف طبعا بأنه ليس بالقوانين وحدها يتم حل معضلات لها جذور ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة، وأن العلاج الجذرى يحتاج إلى ثورة فى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومنها التعليم والإعلام والجامع والكنيسة، وعلى ذلك فإن وجود مثل هذه القوانين المنشودة ليس كعدمه، ويمكن أن يخلق رادعا أمام اللاعبين بالنار من المتطرفين والمتعصبين ونافخى رياح ثقافة الكراهية.
والعلاج الحقيقى للجراح التى فتحتها مصادمات ماسبيرو الأخيرة يتطلب اتخاذ قرارات كثيرة حاسمة وجادة، فى مقدمتها إصدار القانونين المشار إليهما، أما سياسة «تبويس» اللحى وتطييب الخواطر وكنس الخلافات تحت السجادة، فقد مارسناها طويلا لدرجة الإدمان، ولم نجنِ من ورائها سوى وجع القلب، وآن الأوان للاحتكام إلى قوانين عصرية ونزيهة، وتطبيقها بصرامة وحسم على كل من تسوّل له نفسه إثارة الفتن الطائفية.
فالقوانين، وليس أى شىء آخر، هى الآلية الرئيسية للدولة المدنية الحديثة على قاعدة المواطنة.. وبدون ذلك سنفتح أبواب جهنم لتمزيق الأمة وتفكيك الوطن لا قدر الله.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة