صلاح عيسى

مصريون.. لا طوائف

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011 04:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثناء ثورة 25 يناير المصرية، ساد بين الثوار رؤية تذهب إلى أن الثورة قد أنهت كل مشاكل مصر، وفى مقدمتها مشكلة التوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وتستدل على ذلك بشواهد من بينها أن الكنائس ظلت طوال أيام الثورة، من دون حماية أمنية، ومع ذلك فإنها لم تتعرض إلى أية محاولة للإضرار بها، بل إن القسس والشخصيات المسيحية الذين كانوا يقيمون بميدان التحرير أيامها، كانوا يحرصون على أن يصبوا الماء بأنفسهم على أيدى مشايخ المسلمين لكى يتوضأوا قبل أداء صلواتهم، بينما كان هؤلاء المشايخ، ومعهم شباب الجماعات الإسلامية، يحيطون بالمكان الذى يقيم فيه المسيحيون قداسهم، لكى لا يشوش عليهم أحد.
ومن هذه الشواهد وغيرها، استخلص الثوار نتيجة تقول إن أيام التحرير الثمانى عشرة قد أعادت صهر عنصرى الأمة، ورتقت ما كان قد أصيب به النسيج الوطنى من تمزقات، وروج الإعلام الثورى لمقولة تذهب إلى أن كل ما يزدحم به ملف التوترات الطائفية من وقائع، كان آخرها آنذاك حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، هى عمليات قامت بها عناصر تنتمى إلى فرقة شرطية خاصة، شكلها لهذا الغرض حبيب العادلى، لكى يشغل المصريين عن استبداد النظام وفساده، ويفتت صفوفهم، فيحول بينهم وبين التوحد ضده، أما وقد رحل فقد رحلت معه التوترات الطائفية إلى حيث لا عودة.
وأيامها كتبت أحذر من هذا الاستخلاص الخاطئ، ليس فقط لأنه يرتفع بالثوار فوق سحابة وردية من الأحلام، أو الأوهام، سرعان ما تصطدم بالواقع، فتضعف معنوياتهم، ولكن - كذلك - لأن هذه الأوهام، سوف تشغلهم عن تدعيم تطور الثورة بوسائل الدفاع المختلفة، حتى لا يخترقها العدو من الجبهة الطائفية.
وصحيح أن الثورة تبدأ بالحلم، ولكنها تتحقق بالعلم، أى بالعمل التنظيمى لحشد قواها، وتجميع عوامل انتصارها، وتحديد توقيتات واتجاه ضربتها الرئيسية، ولأن حلم ثورة 25 يناير المصرية، قد تحقق دون توافر قسم كبير من هذه العوامل، فقد كان طبيعياً أن يؤدى انتصار الحلم من دون علم كاف إلى هذه الحالة من الرومانسية الثورية المفرطة، التى خيل للثوار معها أن مصر ستتحول إلى جنة فور رحيل النظام السابق.
وما فات على هؤلاء أن حلم الثورة، وإن كانت خطوته الأولى قد نجحت من دون قدر كاف من العلم، فإن خطوته التالية لن تتحقق دون إقرار بالواقع ومعرفة وتخطيط علمى لتغيير الفاسد منه، وأن التوترات الطائفية ليست فزاعة اصطنعها النظام السابق، ولكنها مرض متوطن فى مصر منذ نحو خمسين عاما، على نحو يتطلب رؤية ثورية مختلفة عن الطريقة البوليسية والبيروقراطية التى كان النظام السابق يتعامل بها مع الظاهرة، وإلى خطط علمية، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية، تعيد تحويل مصر إلى مجتمع سياسى، بعد أن تحولت فى خلال هذه العقود إلى مجتمع شبه طائفى.
وأخطر ما يمكن أن تتعرض له الثورات، خاصة التى يكون هدفها الرئيسى هو التحول من نظام استبدادى تسلطى، إلى نظام ديمقراطى تعددى، هو أن تجد نفسها فى مستنقع طائفى، لأنها بالأساس عمل سياسى، لا يطرح ثماره إلا فى تربة خصبة، تزدهر فيها جميع الاتجاهات السياسية، أى مجتمع سياسى، يتجانس فيه الناس حول رؤى سياسية، تحقق من وجهة نظر كل فريق المصالح العامة. مجتمع سياسى ينقسم فيه الناس إلى يمين ويسار، ومحافظين ومجددين، ولا إلى مسلمين وأقباط، أو سنة وشيعة، أو أرثوذكس وكاثوليك، أو ربانيين وقراءين. وبذلك يجمع كل تيار بين صفوفه أناساً ينتمون لمختلف الأديان والمذاهب الدينية، ومختلف المدارس الفقهية، توحد بينهم رؤيتهم للشأن العام، ويفرق بينهم وبين غيرهم رؤية مختلفة، وأقل تحقيقا من وجهة نظرهم لهذه المصالح، وهو خلاف صحى، لا يشكل خطراً على وحدة الجماعة، ولا يؤدى إلى تفككها بعكس الاصطفاف الطائفى الذى يقود إلى التعصب الدينى أو المذهبى، ثم كراهية المختلف، فممارسة العنف ضده.
خلاصة ما قلته آنذاك، وأعيد تكراره الآن بعد أن اكتشفنا جميعا خلال الأشهر الماضية، أن الثورة لم تقضِ على الفتنة الطائفية، أننا فى حاجة إلى رؤية ثورية، وبرامج ثورية ترفع شعار: «مصريون لا طوائف».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد البيطار

العنوان جميل

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

الحل الوحيد هو تطبيق كلام الله وشرعه ( نرجع الى كلام الله ونطبقه فتنتهى مشاكل الناس )

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري مسيحي

شريكي في المواطنة

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل هارون

الى المصري المسيحي من المصري المسلم

عدد الردود 0

بواسطة:

يوسف

لتعليق رقم 2

عدد الردود 0

بواسطة:

salwa

To no. 2

I agree with you

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة