محمد إبراهيم الدسوقى

الدرس التونسى

الإثنين، 17 يناير 2011 07:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دروس لا تعد وفوائد لا تحصى، يمكن لكل لبيب تعلمها وتحصيلها من الانتفاضة الشعبية فى تونس، حتى تكون نبراسا يهتدى بها الحكام العرب الذين ارتكنوا إلى أن شعوبهم قد استكانت، وأن شعورها باليأس والإحباط من حدوث التغيير والإصلاح جعلها فاقدة للاتزان والقدرة على الحركة والفعل.

التونسيون من حقهم الافتخار بأنهم كبتوا صفحة جديدة فى التاريخ العربى الحديث الذى امتلأت صفحاته بحكايات ومآثر عن الثورات الشعبية ضد الاستعمار الأجنبى للفوز بالاستقلال والحرية، وبعدما حصلت الشعوب عليهما لم يدر بخلدها أنها ستعانى المرارة والانكسار وخيبة الأمل والرجاء والجوع على يد قادتهم الذين لا يكفون عن الحديث عن مشاريعهم الجبارة للتنمية، والارتقاء بمستوى معيشة المواطن الكادح، وأنهم يضعون هذا المواطن البسيط نصب أعينهم فى كل ما يفعلونه ويتخذونه من قرارات، رغم أن الواقع الأليم يشى ويفصح عن عكس ما يدعونه.

أول وأهم درس من أحداث تونس نجمله فى فضيلة احترام الشعب، خصوصا الذى يتوجع من كثرة ما يتعرض له من مظالم. فلو كان بن على وحاشيته انتبهوا والتفتوا قليلا لمتاعب التونسيين اليومية لما وصلت البلاد لما شاهدناه فى غضون الأسابيع الأربعة المنصرمة، واختتمت برحيل الرئيسى التونسى بعد 23 عاما فى السلطة.

الدرس الثانى أن الديمقراطية تشكل صمام الأمان الحقيقى والواقعى للحاكم والمحكوم، فلو كانت هناك انتخابات حرة نزيهة تعبر عن اختيارات المواطنين لأحس أهل البلد بالارتياح والسكينة، لأنهم سوف يمتلكون أداة يصححون بواسطتها خطايا الحكام وحكوماتهم اللذين سيضعان فى اعتبارهما المواطن، بدلا من تجاهله وتزييف إرادته.

الدرس الثالث أن حرية التعبير والإعلام حتمية لابد من الحرص عليها، فهى مكملة للأساس الديمقراطى، ولنفترض جدلا أن الرئيس التونسى المخلوع ترك ولو مساحة صغيرة لوسائل الإعلام المحلية لانتقاد ما تراه خطأ فى دوائر الحكم والمجتمع، لكان من الممكن تلافى الكثير من المصائب التى ارتكبها وزمرة المحيطين به، بدلا من أن يقف أمام كاميرات التليفزيون ليقول إن بعض المسئولين قدموا له معلومات خاطئة وأنهم سوف يحاسبون.

الدرس الرابع أن تأصيل وتقوية دعائم وقواعد المجتمع المدنى وآلياته يحمى المجتمع من تغول وتسلط جهات نافذة فى المجتمع، من خلال تكثيف الأضواء عليها والمطالبة بمحاسبة الفاسدين والمرتشيين وأصحاب المصالح والنفوذ، بل إن وجود مجتمع مدنى قوى يعمل كرادع وقت الجد والخطر لحماية الوطن من السقوط فى دائرة الانفلات والفوضى، ملثما رأينا فى تونس، فى أعقاب هروب بن على وعائلته، إذ لم تكن هناك قوة مدنية قادرة على لجم المواطنين وجنوحهم نحو العنف وسلب ونهب الممتلكات العامة والخاصة.

الدرس الخامس أن تمكين المعارضة من العمل الشرعى على السطح وليس من تحت الأرض سواء فى الداخل أو الخارج يقوى السلطة الشرعية، شريطة أن يعاملها الحاكم كطرف مشارك وليس زينة للديكور يتم تذكره فقط فى مناسبات معينة لاستكمال الشكل العام، والإيحاء بأن هناك معارضة. والمحك تقديم بيان عملى بالإيمان بأهمية المعارضة ودورها عبر تمكينها من عقد مؤتمرات ولقاءات مباشرة بالناخبين، وألا يخشى من فوزها فى الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية، فأسوأ شىء أن يحتكر حزب واحد الماء والهواء، ولا يدعى أحد يقترب من منصته العالية، ومعاملته كدخيل تدعمه أيدٍ خارجية للوثوب على السلطة لتنفيذ أجندات خارجية وغيرها من الأوصاف والاتهامات الموجهة ضد كل من يفكر فى معارضة النظام القائم، حتى ولو كان دفعه وطنيا خالصا.

الدرس السادس أن تكون هناك رقابة شعبية وبرلمانية على تصرفات الأجهزة الأمنية وألا تترك بدون حسيب ولا رقيب، لأنها بمرور الوقت تتوحش وتنقلب لغول يخافه الجميع وينظر إليه على أنها عدو مشروع محاربته والإضرار به، كلما استطاع المواطن إلى ذلك سبيلا.
ولنتذكر أن شرارة الثورة التونسية كانت إهانة شاب من قبل شرطية ضربته بالقلم، وبصقت على وجهه لاعتراضه على طريقتها الفظة فى التعامل معه.

ما سلف ليس سوى جانب من الدروس والعبر المستخلصة من تجربة تونس على مدار شهر حاسم غير وجه هذا البلد والمنطقة لسنوات مقبلة، فهل نأمل أن يتم فهمها واستيعابها من جهة أولى الأمر، أم أنها ستمر هكذا ظنا بأن حالنا يختلف عن تونس جملة وتفصيلا ولا يوجد وجه مقارنة؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة