محمد إبراهيم الدسوقى

صلاحية شحنة الوحدة الوطنية

الإثنين، 10 يناير 2011 06:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تساورنى الشكوك والظنون ـ ليس كلها إثما ـ أن جذوة الوحدة الوطنية المتأججة حاليا، وبلغ لهيبها عنان السماء ستنطفئ بعد أسابيع، حينما تقل وتتراجع حرارة الاهتمام والمتابعة لجريمة الإسكندرية مع انحسار أخبارها وتغطيتها فى وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، وستمر علينا الفاجعة، التى أحسبها لحظة فارقة مهمة، بدون أن تكون نقطة استهلال لعملية طويلة شاقة ومرهقة لمراجعة النفس، عسانا نضع أيدينا على ما أخطأنا وأصبنا فيه، حتى ولو توصلت التحقيقات إلى وقوف جهات خارجية خلف تدبيرها وتجنيد عناصر إرهابية من الداخل لتنفيذها، لإحراق قلوب كل المصريين فى الساعات الأولى من استقبالنا للعام الجديد.

وأخشى ما أخشاه ان انفعالنا اللحظى المؤقت بجريمة عصفت بمشاعرنا، وضغطت على مراكز أعصابنا القومية، سيزول سريعا، مثلما وقع فى قضايا ومآسى عاصرناها فى السنوات الفائتة، فقد ألفنا وتعودنا على تدفق دفعات وشحنات العناية المؤقتة، وتدريجيا تنحسر إلى أن تغيب وتبعد عن بؤرة التركيز، وعندما تنظر إلى النتائج المترتبة على تلك الشحنات فلن تعثر على عائد نافع سوى اقل القليل. الظن والشك لا يحركهما نزعة تشاؤمية لا سمح الله أو تسفيها لما بدر عن القيادات الرسمية من تصريحات ومواقف، وإنما جملة مؤشرات واقعية.

فبعيدا عن مظاهر الغضب العارم الذى أبداه الأقباط والمفهوم مبرراته، والتى كانت تعبيرا حقيقيا عما يجيش فى النفوس ويعتصرها من ألم ومرارة وحسرة، فإن ما تابعناه من مظاهرات مرتبة ومحكومة داخل أسوار الجامعات افتقدت فى نظرى الصدق والعفوية، وتولد لدى انطباع بأنها تماثل معلبات أخرجت فى التو من الثلاجة.

نفس القاعدة تشمل أيضا موجات ودفعات الأغانى الحماسية، تنديدا بالإرهاب الأسود، وتأكيدا لعلاقة الترابط والتماسك العضوى غير القابل للانفصال بين المسلمين والمسيحيين، فإن كنا حقا نؤمن ونعتقد بهذا فما الداعى للتغنى بها بهذه الصورة المبالغة؟.

وسط هذا الجو الفلكلورى الحماسى لم تقع عينى على محاولة جدية من طرف أولى الأمر والحل والعقد لتمعن ما حدث، بمنأى عن الطريقة المصرية الأصلية فى تطييب الخواطر وتبويس اللحى قبل مواصلة حياتنا بوتيرتها العادية ولنرمى وننسى ما جرى وراء ظهورنا. لم أر نواب مجلس الشعب الجديد من أصحاب الأغلبية يفتحون نقاشا حول ما طرأ على المجتمع من متغيرات شجعت على العنف، وغياب سلطة وسطوة القانون، ونبذ الآخر والحض على كراهيته، وتقسيم المجتمع لطوائف وشيع تبعا للانتماء الدينى والسياسى، وتغلغل المنطق الاحتكارى على كل الأصعدة، فالمسلم الشاعر بالقهر والظلم البين يطمع فى تغليب وجهات نظره ومفاهيمه على الجميع، بينما يحس المسيحى بأنه مهضوم الحق، وأنه يعامل كمواطن من الدرجة الثانية وليس كشخص كامل الأهلية والحقوق، ويستثنى من المناصب القيادية الرفيعة، بسبب ديانته.

ولا يخبرنى أحد بأن سيد قراره شكل لجانا لبحث مذبحة الإسكندرية سترفع تقريرها للمجلس، وللتذكير فقط فإن اللجان مقبرة دفن أى قضية مهمة، وأذكركم بتقرير المستشار العطيفى الصادر فى بدايات السبعينيات من القرن الماضى، حول أحداث الفتنة الطائفية فى الخانكة، هل نفذت توصياته واستفدنا مما ورد فيه؟ كلنا يعلم أن الجواب بالنفى، إن الرد الأمثل على مدبرى هجوم الإسكندرية ليس بالإغراق فى بث الأغانى والبرامج السمجة عن المواطنة والوحدة الوطنية، وتصدير شعار الهلال مع الصليب، وإقامة المتاريس حول الكنائس والمساجد، بل بانشغال المجتمع كله عن بكرة أبيه بتمحيص ومناقشة ما الذى تغير فينا، حتى أصبحنا بهذه الهشاشة والضعف الذى سمح لكل من تسول له نفسه إلحاق الإيذاء بنا بسهولة.

تلك دعوة للمصارحة والبوح وللفعل وليس لرش الملح على الجروح الطازجة، حتى تكون صلاحية شحنات الوحدة الوطنية ممتدة وطويلة المفعول والتأثير، لنتدبر ونعى قبل أن يصعقنا تيار مأساة جديدة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة