محمد إبراهيم الدسوقى

كبير العلماء

الأحد، 08 أغسطس 2010 07:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من بين أفضل سجايا وخصال الشعوب والأمم المتحضرة الحرص على إظهار التقدير والاحتفاء الواجب لأصحاب المقام الرفيع من العلماء والمبدعين والباحثين وكل من يحقق إنجازا يطيل بواسطته هامة الوطن الغالى، والأهم أن ذلك يتم فى حياتهم وليس بعد انتقالهم لدار الحق، وبدون مغالاة، مثلما نفعل مع شخصياتنا العامة، حتى ولو لم يقدموا لنا سوى أقل القليل، هذا إن قدموا شيئا من الأساس، تلك المغالاة لا تكون سببا فى إصابة أصحابها بالغرور والتعالى فقط، لكنها تدمر نفسيا وعصبيا نفرا من الباحثين الجادين الذين يحرمون من الفوز بتقدير معنوى أو مادى على جهدهم وأبحاثهم، لأن إعلامنا ليس لديه الرغبة ولا الحافز للتنقيب عمن يستحقون التكريم وتسليط الأضواء عليهم، ويكتفون بالهرولة خلف ما هو مطروح مقابلهم من أسماء وشخوص يمل القارئ والمشاهد من متابعتهم من كثرة ظهورهم الإعلامى الطاغى، فضلا عن إسراف إعلامنا فى صياغة الأوصاف والألقاب بحق وبدون وجه حق، ونلاحظ ذلك بفجاجة فى الوسط الفنى والرياضى على وجه الخصوص، إذ تتحرك الكتائب الإعلامية المستفيدة من تلك الجهة أو غيرها لكيل المديح والثناء على اللاعب الفلانى أو الفنانة الشاملة فلانة الفلانة، على الرغم من أن العدل يحتم انتقادهم لعدم إجادتهم فى عملهم وليس مدحهم.

بعد هذه المقدمة الطويلة نصل لبيت القصيد، وهى رسالة مطولة وصلتنى من الدكتور محمد سند الأستاذ بقسم الفيزياء الهندسية بكلية الهندسة جامعة القاهرة والمتخصص فى علم الهوائيات، وقد أمضى 17 عاما بين كندا والولايات المتحدة، وحاصل على الجنسية الأمريكية، ونجح فى مسيرته العلمية والعملية إلى أن قرر قبل 7 سنوات العودة لمصر وواصل عمله الأكاديمى بدون عوائق تذكر، ويسجل دوما براءات اختراعاته فى الداخل والخارج. نترك التعريف الذى أحسبه مهما، لكى يمكننا الإنصات بحيادية لرأى الدكتور سند الذى يعيب على الفضائيات إطلاقها لقب "كبير العلماء العرب" على الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل، والمبالغة فى استخدامه، وينبه لجملة من النقاط ألخصها فيما يلى:

1- ما هو تعريف "كبير العلماء" العرب وما معاييره؟ فالعالم بمقدوره التفوق فى أحد التخصصات العلمية ويمكن مقارنته بزملائه فى تخصصه، ولكن لا يمكن مقارنته بجميع العلماء فى جميع التخصصات الأخرى ونعته بـ "كبير العلماء".

2- الحاصل على نوبل لا يعنى أنه "كبير العلماء". فعملية الترشيح والاختيار لجوائز نوبل تخضع لعوامل كثيرة بدليل أن الرئيس الأمريكى بارك أوباما حين حصل على جائزة نوبل للسلام اعترف أنه لم يحقق إنجازا يستحق عليه نيلها.

3- الكثير من التخصصات العلمية لا تشملها جائزة نوبل منها مجال الهندسة، ويتم تقييم المهندس المتميز عالميا بطرق أخرى عديدة من خلال براءات اختراعه التى تحولت إلى منتج عالمى يخدم البشرية.

4- الدكتور زويل أجرى أبحاثه كلها فى أمريكا كجزء من وظيفته هناك كمواطن أمريكى يحصل على راتبه من أمريكا. فهو ليس معارا هناك من مصر فمن أين جاء وصف كبير العلماء "العرب"، إنه أحد العلماء الأمريكيين من أصل مصرى وسيظل كذلك حتى يعود نهائيا لمصر لو اتخذ قراره.

ولكن لماذا الاعتراض وكيف ستتضرر مصر؟
1- هذه إهانة شديدة لمصر وإضرار بسمعتها، فنحن عن غير قصد نقول للعالم أجمع إننا ليس عندنا أى علماء يستحقوا الذكر وبالتالى فليس أمامنا إلا أن يكون "كبير علمائنا" هو أحد الأمريكيين من أصل مصرى.

2- للأسف إخواننا العرب صدقوا فضائياتنا وتنافسوا على دعوة "كبير العلماء العرب" وساروا على نفس الدرب، ولو أن الفضائيات المصرية بدلا من ذلك قد اهتمت بإظهار القيمة العالمية للعلماء المصريين المقيمين بمصر لاختلف الأمر تماما ولحاول العرب الاستفادة من خبراتهم البحثية مما يعود بالخير على سمعة مصر و اقتصادها ويجعل منها مركز ثقل علمى عربى.

3- إننا ربما عن غير قصد نقول للعالم إن مصر لا تحتاج لعلمائها وليس بها مكان لهم لدرجة أن "كبير علمائها" يعمل موظفا بأمريكا.

4- نقول لشباب الباحثين المصريين: إذا كنت تريد الاعتراف بتفوقك العلمى فعليك بالسفر للخارج إلى الأبد و عدم العودة أبدا إلا زائرا. عليك بالتفانى فى وظيفتك هناك حتى نقدرك هنا. إنك مهما نجحت وأنت مقيم هنا فى مصر تتفانى فى خدمتها فلن نعترف بك وسنختار من الخارج "كبيرالعلماء العرب".

5- نتيجة لذلك ولأسباب أخرى فإن أعدادا كبيرة من المبعوثين للخارج من الجامعات المصرية للحصول على الدكتوراه لا يعودون مما يهدد مستقبل الجامعات المصرية.

6- للأسف بدأ الحديث يكثر عن الاستعانة بالعلماء الأمريكيين والأوروبيين من أصل مصرى المقيمين بالخارج. بالطبع هم يمثلون خبرة وثروة عظيمة ولكنهم لن يكونوا ذو فائدة لمصر إلا إذا قرروا العودة الدائمة إليها أو البقاء فيها لمدة معقولة.

8- هذه العدوى بدأت تنتشر أيضا فى بعض مراكز الأبحاث المصرية وكذا بعض الأنشطة العلمية والتكنولوجية. وحاليا لكى تتقدم إلى بعض الهيئات للحصول على تمويل لأى مشروع بحثى يشترط إضافة اى مصرى من المقيمين بالخارج كخبير بفريق العمل.

انتهى خطاب الدكتور سند، وهو فى رأيى يتضمن العديد من الجوانب المنطقية المتعين دراستها بعناية، إن كنا جادين فى التطور العلمى والبحثى، أما الإعلام فإنه يلعب بقصد أو بدون قصد دورا خطيرا فى إحداث فتنة علمية نحن فى غنى عنها.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة