محمد إبراهيم الدسوقى

تسامح المسلمين المفقود

الأحد، 29 أغسطس 2010 03:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عشت فى اليابان خمس سنوات كاملة، وتعودت الذهاب للمركز الإسلامى وسط طوكيو لأداء صلاة الجمعة فيه، وعقب خروج المصلين كانوا يجدون فى انتظارهم مشكلة تتكرر كل أسبوع، هى أن العديد منهم يتركون سياراتهم أمام مداخل البيوت المحيطة بالمسجد، مما يتسبب فى شعور سكانها من اليابانيين بالضيق الشديد الذى دفعهم لتقديم شكوى للشرطة.

بعدها خاطبت السلطات الأمنية إدارة المركز للتنبيه على رواده بعدم مضايقة المواطنين بركن سياراتهم بهذا الشكل، وكان الخطيب ينبه على الموجودين بالالتزام والحضور مبكرا، لأن البعض كان يتحجج بأنه يريد اللحاق بالصلاة، ورغم ذلك لم يلتزم احد بهذا المطلب البسيط مع أن المنطق يقول إن ضيوف أى بلد عليهم مراعاة القواعد المحددة من قبله، وأنه على من يرفضونها أو لا يقتنع بها الحجز على الرحلة التالية للعودة لوطنه.

أسوق هذه الحكاية دلالة على حتمية مصارحة أنفسنا بحقيقة أن غالبية المسلمين تتحدث إناء الليل وأطراف النهار عن أن ديننا الحنيف يحض على التسامح والتعامل الحسن، لكنا لا نطبق ذلك فى تعاملاتنا اليومية سواء داخل البلدان الإسلامية أو خارجها، فنحن نتابع هذه الأيام فصول الأزمة الناشبة، نتيجة إصرار مسلمى مدينة نيويورك الأمريكية على بناء مسجد لا يبعد سوى أمتار قليلة من موقع برجى مركز التجارة العالمية الذى قتل فيه ما يزيد عنن ثلاثة آلاف شخص فى هجمات الحادى عشر من سبتمبر. العناد من قبل الجالية المسلمة لتشييد المسجد فى هذا المكان دون غيره، فتح الباب لموجة من الكراهية للمسلمين وتعرض بعضهم لاعتداءات وحشية كان آخرها طعن شاب أمريكى لسائق مسلم فى نيويورك وهو يردد السلام عليكم.

وما يثير الأعصاب حقا أنك تجد نداءات وكتابات لا حصر لها تتهم الشعب الأمريكى بعدم التسامح، وأنه يكن العداء للإسلام، لرفض نسبة كبيرة من الأمريكيين إقامة المسجد، ويخيل إليك أن معركة حامية الوطيس سوف تنشب فى الغد القريب بين المسلمين الأمريكيين من جهة والأمريكيين الذين يدينون بالمسيحية وغيرها من الديانات والمعتقدات الدينية. إن كنا نطالب أمريكا بالتسامح، فلماذا لا نلتزم نحن به أولا؟

أعتقد أن المسلمين الأمريكيين لا يعانون من نقص وشح فى المساجد فهى منتشرة ولا يوجد محاذير على بنائها، ومسجد نيويورك لن يزيدهم قوة ومناعة، أذن كان من الأولى التزاما بالمبدأ الشرعى أن الضرورات تبيح المحظورات البحث عن موقع بديل، خاصة وأن الغضب تملك من كثيرين من مواطنى الولايات المتحدة وبدأوا فى التعبير عنه بمهاجمة المسلمين وتدنيس مساجدهم ومقابرهم.

فى هذه الحالة كان لابد من إظهار التسامح من طرف المسلمين الأمريكيين، حتى لو كان الرئيس باراك أوباما قد أعلن رسميا دعمه لإقامة مسجد نيويورك، وإن كنا ندعو كل يوم للتقارب والحوار بين الأديان، فلماذا لم نتحاور سريعا لإغلاق هذه الصفحة بإلغاء المشروع من أساسه؟

اعلم أن هذا الكلام لن يكون محل ترحيب من قبل الكثيرين الذين يتهمون الغرب بمعاداة ومحاربة الإسلام، ونسوا فى خضم التدليل على صحة اتهاماتهم أن الوافدين على الدول الأوروبية وأمريكا عليهم واجب الانصياع لما استقر من قوانين وشرائع فيها، إذ لم تكن هناك حاجة مثلا لإثارة جلبة ومعارك وهمية حول حظر ارتداء النقاب فى أوروبا. الأهم أننا نعانى من ازدواجية لا شفاء منها، ففى حين يتمسك مسلمو أمريكا بمسجد نيويورك، تشن هجمات انتحارية إرهابية فى العراق وغيره ضد مساجد أثناء اكتظاظها بالمئات من الأبرياء ومن يقف خلفها يدينون بالإسلام، وأختم بدعوة القائمين على مشروع جامع نيويورك بالتحلى بالشجاعة الأدبية والتسامح الدينى بعدم تشييده فى المكان المتفق عليه، لكى نجنب المسلمين الأمريكيين ويلات وشرور الكراهية الدينية العمياء، فالقليل من التسامح سيكون له فائدة عظيمة للجميع.

كاتب صحفى بالأهرام








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة