أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد إبراهيم الدسوقى

مقاسات كتابة التاريخ

الأحد، 22 أغسطس 2010 07:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإخوان المسلمون غاضبون ناقمون ومحتجون على مسلسل الجماعة للكاتب وحيد حامد، وصبوا جم غضبهم وانتقاداتهم على رأس المؤلف المتهم بتشويه صورة مؤسس الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، وارتكنوا فى انتقاداتهم إلى أن الأحداث تظهر شيخهم فى صورة تجافى وتخالف جوهر شخصيته، وأن استمرار حملة الإساءة للجماعة ولرموزها لن يزيدها إلا قوة وتأييدا، ثم أعلنوا عن عزمهم إنتاج مسلسل عن البنا يقدم الوجه الحقيقى لرجل ترك بصمة وعلامة فى تاريخ الحركات الإسلامية.

وما يشغلنى ليس التراشق الإعلامى الذى بلغ عنان السماء بين وحيد حامد والجماعة الملقبة بالمحظورة، والذى سيتأجج فى غضون الأسابيع المقبلة، ولكن إن فصول التناطح والتناحر كشفت الغطاء عن جوانب مشكلة عويصة لم نجد لها حلا بعد أن تتعلق بكتابة التاريخ ومصداقية من يتصدون لهذه المهمة الشاقة العسيرة، نتيجة افتقادنا للوثائق التاريخية الحاسمة لأى جدل يثار حول حدث تاريخى والشخصيات المشاركة فى صنعه وتوجيه مساراته.

فجماعة الإخوان المسلمين تؤكد وتقسم أن الشيخ البنا كان أقرب للنموذج المثالى فى نظرهم، وليس بهذا الشكل الشيطانى الذى بدا عليه فى مسلسل وحيد حامد، بينما يرد المؤلف بأنه لم يكن متحيزا ضدهم، وأنه اعتمد على مصادر ومؤلفات كتبها أبناء الجماعة.

ووسط كل ذلك، يصعب العثور على وثائق تاريخية معتمدة لا يرقى لها الشك تجلى الحقائق وتحدد من الذى كان على صواب ومن الذى كان على خطأ، فالأحداث والشخوص المحركة لها تتلون على حسب مقاس الكاتب والتيار السياسى أو الدينى المنتمى إليه، فالمؤيد يرفع البنا لمكانة التقديس وأنه كان من ملائكة الأرض، فى حين إذا كان من المعارضين والناقدين للإخوان فإنه سيجعله رمزا للحض على العنف وديكتاتورية القيادة والنفعية، ويختم بأن تمكنهم من السلطة سيكون الطامة الكبرى، وأنه لا ملجأ إلا العض بالنواجذ على الدولة المدنية درءا لكارثة الدولة الدينية.

إن وسعنا دائرة النقاش فإننا سنصدم مثلا بأننا لا نعرف سوى القشور بشأن ما جرى فى ثورة يوليو 1952 والعدوان الثلاثى فى 1956 وهزيمة 1967 وحرب 1973، فكل ما له صلة بهذه الوقائع محبوس فى قبو حصين لا يسمح إلا لنفر معدود على أصابع اليد الواحدة بالاطلاع عليها، ولكنهم من فئة الصامتين. الانكى أنك لا تعثر على تأريخ علمى تنطبق عليه المعايير المطبقة فى كثير من بلدان العالم الحريصة على الكشف عما وقع فى الماضى بعد مرور فترات زمنية محددة، التماسا للعبرة والدرس لمن سيخلفهم.

فما يوجد تحت أيدينا مجرد كتابات يبدو منذ سطورها الأولى أن مؤلفيها يريدون إظهار أنفسهم باعتبارهم من كان لهم الفضل فى معارضة القرار الفلانى، وأنه قال كذا وكذا للرئيس جمال عبد الناصر والسادات، وإن قرأت كتابا لمسئول عاصر نفس الفترة ستجده يطرح الحدث بشكل مختلف يظهر فيه بصفته البطل الأصلى له.

بل إن بعض الشخصيات النافذة بحكم اقترابها من دوائر صناعة القرار، مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل، تمتلك كما هائلا من وثائق ومستندات الدولة المصرية، وعندما يخرج بعضها للنور، فإنه يركز على جزئية بعينها لتأكيد فكرة أو رأى طرحه، وفى كل الأحوال فإن إيمانه ودفاعه عن التجربة الناصرية بحلوها ومرها يجعله ينحاز لجانبها.

ثم لماذا تظل هذه الوثائق حبيسة أدراج مكتب الأستاذ هيكل، أليس للشعب المصرى الحق فى معرفة ماضيه وما ارتكب فيه من خطايا ومؤامرات كلفتنا الغالى والنفيس وما زلنا ندفع فاتورتها ليومنا هذا. إن الإنصاف والعدل يقضى بسن قوانين وتشريعات قابلة للتنفيذ بالإعلان عن الوثائق التاريخية بعد مدة معينة، حتى لا تأتى أجيال من بعدنا لا تعرف من أمور وشئون تاريخها شيئا، وتضطر لمعرفته مما كتبه الغربيون والأمريكيون عنها، وعندها سيكون تاريخنا أشبه بوجبة من وجبات الأكلات السريعة التى تسبب ارتباكات وتقلصات فى المعدة، وعلاجها أن نكشف وثائقنا حماية لعقول وقيادات المستقبل فى بلدنا العزيز.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة