محمد إبراهيم الدسوقى

المواطنة المصرية كاميليا زاخر

الأحد، 15 أغسطس 2010 08:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حتى أسابيع قليلة لم يكن اسم كاميليا شحاتة زاخر معروفا، إلا لنفر معدود على أصابع اليد من الأقارب والجيران لها، قبل أن تنقلب حياتها رأسا على عقب، بعد تركها منزل زوجها كاهن دير مواس، ورواج قصة أنها أسلمت، وامتلأت كاتدرائية العباسية بمئات المتظاهرين الأقباط الذين نددوا وشجبوا اختطافها بواسطة مسلم لتغيير ديانتها.

ثم ظهرت حقيقة أنها هربت لمنزل قريبة لها لخلافاتها المتكررة مع زوجها، وتم تسليمها للكنيسة بدون أن نسمع كلمة اعتذار أو تنديد ممن القوا الاتهامات يمينا ويسارا وكادوا أن ينجحوا فى إشعال فتنة طائفية نحن فى غنى عنها، وكان الظن يتجه إلى أن القضية قد أغلقت وأن النفوس ستهدأ مع حلول شهر رمضان الكريم، غير أن هناك من ينفخ فى النار الخامدة، حيث طالعتنا مواقع على شبكة الإنترنت تؤكد أن كاميليا أسلمت، وقدمت حكايات تشبه المغامرات البوليسية حول الذهاب للأزهر الشريف لإعلان إسلامها، وأن الموظفين تلقوا تعليمات بعدم إنهاء الأوراق الخاصة بها، بعدها نفى الأزهر أن تكون كاميليا قد جاءت للمشيخة.

الخلفية السابقة لا تهمنى ولا تشغلنى قيد أنملة، فعلاقة الإنسان بخالقه مسألة شخصية بحتة، فإسلام كاميليا لن يزيد الإسلام ويتنقص من قدر المسيحية والعكس صحيح تماما، إنما ما يثير همومى وحزنى تعاطينا الخاطئ مع حالة كاميليا.

لقد قدمت قصة كاميليا بكل ملابساتها وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة دليلا دامغا جديدا على أننا نفضل التعامل بالمعيار الفئوى والطائفى، فكون كاميليا مسيحية، المسيحيون فى نظر الكثيرين يجب معاملتهم كأقلية، يفرض المسارعة إلى إعادتها لحظيرة الكنيسة بدون الاكتراث بأن نعاملها كمواطنة مصرية أولا وأخيرا، بصرف النظر عن معتقداتها الدينية، ولماذا لم تعط كاميليا فرصة التعبير عن نفسها علانية، وقطع الشك باليقين حول أسباب وظروف هروبها؟ ولماذا نهرع لوضع كل شئ أسفل السجادة لإخفائها، بدلا من تعرضها لضوء الشمس الكفيل بتنقيتها وإزالتها؟.

لقد كنت أتوقع صدور بيان شارح وقاطع من الأجهزة الأمنية يحدد لنا بالضبط ما حدث، عوضا عن ذلك حبذت هذه الأجهزة الصمت، وكان عليها مراعاة أن الأمر يمس صميم أمن واستقرار المجتمع الذى يحق له معرفة ما جرى بلا مواربة، غير أن الغلبة وكالعادة كانت للتعامل الأمنى مع قضية شائكة يمكن لها ولغيرها تقويض البينة التحتية للمجتمع المصرى.
من حق المجتمع أيضا أن يعرف من المخطئ ومن الذى على صواب، وأن يطالب المخطئ سواء كان مسلما أو مسيحيا بالاعتذار.

وفى السياق نفسه، أتساءل لماذا يصر الأقباط على التعامل بحساسية مفرطة فى معظم ما يخص شئونهم؟، على الرغم من أن جزءا مما يعانون منه يشاركهم فيه عموم مواطنى مصر من المسلمين، ولماذا يرفعون دوما راية الاضطهاد والظلم؟ وأتساءل أيضا أين عقلاء الكنيسة والأزهر بعيدا عن الجمل والتصريحات المستهلكة المؤكدة أن العلاقة بين عنصرى الأمة قوية ومتينة وراسخة، وأن ما نراه ليس سوى زوبعة فى فنجان؟

لقد كنت أنتظر مع الكثيرين مبادرة البابا شنودة إلى مناقشة الموضوع وتحديد موقفه منه، فهو رجل دين له احترامه وتقديره ليس بحكم منصبه الرفيع وحسب، وإنما لأنه من المثقفين المشهود لهم بالبراعة والفطنة والحكمة، ولكنه التزم الصمت فى فتنة كاميليا وتركها تأخذ أبعادا أكبر من حجمها، مع أنه كان بالاستطاعة لو تحدث أن يضعها فى حجمها ووزنها الطبيعى من خلال الابتعاد عن التسخين والتظاهر، والتيقن أولا من المعلومات المتداولة من كل صوب وحدب ومعظمها من نسيج خيال أناس يعيشون وسطنا وهم من المسلمين والمسيحيين ويجتهدون فى صب الزيت على البنزين.

والكارثة الحقيقية أننا ندارى الشروخ الظاهرة فى بنيان المجتمع بدلا من تسليط الأضواء الكاشفة عليها والاستنارة بآراء أصحاب المشورة والرأى الغيورين على مستقبل هذا البلد، وجانب من الكارثة أن الكثيرين يؤمنون بصدق وصحة ما يوضع على مواقع النت من أخبار ولقطات فيديو، وذلك اعتقاد يتسبب فى مآسى لا حصر لها، مثلما حدث فى حالة كاميليا. وإن كنا نبحث عن حلول فإن خط بدايتها يجب أن يكون من التعامل بقدر عال من الوضوح والشفافية، وعلى أساس أننا جميعا مصريون، وأن أهم علامة من علامات صحة وعافية أى مجتمع قدرته على مواجهة ما يستجد داخله من تقلصات ومواضع الألم وليس إزاحتها أسفل السجادة، لكى تكبر وتتحول لغول يلتهم الجميع.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة