محمد إبراهيم الدسوقى

الفجوات السوداء

الأحد، 11 يوليو 2010 07:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طفت على سطح الأحداث فى الآونة الأخيرة دلائل عدة، تفيد بوجود فجوات سوداء يتسع عمقها بمرور الوقت داخل المجتمع المصرى، والفجوات المقصودة ليس لها علاقة بالحفر والمطبات المنتشرة فى شوارع مدننا الكبيرة والصغيرة، لكنها متصلة بمظاهر ونوازع تعصف بمجتمعنا الذى تتقاذفه العواصف يمينا ويسارا بلا رحمة وتقوده لاتجاه غير معلوم. ولم يكن الحادث المؤلم الذى ارتكبه سائق شركة المقاولون العرب سوى جزء بسيط من تجليات الفجوات السوداء التى يخرج منها شرارات وسموم تؤكد أن هناك خللا رهيبا فى هيكلنا الاجتماعى، الذى اختفت وتلاشت منه قيما كنا نظنها من الأصول الثابتة، فإذا بها يجور عليها الزمان ويجرى عليها ما جرى على شركات القطاع العام من بيع وخصخصة ضاعت معها ملامحها وهويتها، ولم يعد يظهر منها إلا الأتربة المصاحبة لإقالة العاملين فيها وتشريدهم مع عدم دفع مستحقاتهم المالية، وخروجهم فى مظاهرات ووقفات احتجاج بالملابس الداخلية.

إن ما فعله سائق المقاولون العرب ليس عملا فرديا، لكنه مرآة عاكسة وكاشفة لتغلغل ظاهرة العنف الجماعى، فالعنف أضحى أسهل وأيسر وسيلة للتعبير عن الاحباطات واليأس العام، ففى زمن مضى كانت الشكوى الشفهية سيدة الموقف إلى أن تبدل الحال ورحنا نعبر عن ذاتنا بالساطور والسكينة والكرباج والشوم والصواعق الكهربائية. واختفت من وجوهنا امارات وعلامات الود والتفاهم واتساع الصدر والصبر، ولا يكرر أحد عبارات من عينة، أننا ما زلنا بخير، وأن التعميم فيه ظلم بين، لأننى سأرد بتوجيه طلب متواضع بأن ننظر لكيفية تصرفنا مع بعضنا البعض فى الشوارع والطرقات وداخل بيوتنا، فنحن ننفعل لاقل واتفه الأسباب شأنا وقيمة، ولا نتصت للآخرين.

إن كنا سنرجع الأمر للضائقة الاقتصادية، وقلة الأرزاق وصعوبة المعايش، سأقول: إنها الجزء وليس الكل، إننا نحجم عن الإقرار بأن المجتمع المصرى يتقلب على جمر جراء المساوئ التى يتنقل فيما بينها، وإننا تركناها تزيد وتتراكم إلى أن حفرت فجوات سوداء داخله لا يدرى أحد ما فيها من فواجع وكوارث، وكلما نزل بنا خطب على شاكلة سائق المقاولون العرب، يظهر أمام عيوننا قليلا مما فى الفجوات السوداء من آفات، ومشكلتنا أننا لا نتوقف مليا مقابل هذه الأشياء، وسنفعل ما فعلناه سابقا بتعاملنا مع الحادث على أنه عارض وسيتوارى لزوايا النسيان كغيره من الحوادث الدالة على أن المجتمع يسير بخطى ثابته ناحية مستنقعات كريهة، وحينما نتساءل عن الدروس المستفادة من هذه الحوادث، فإننا سنخرج بصفر كبير، وبدون الغرق فى التشاؤم فإن الأسوأ لم يأت بعد، فمساحات التنفس تضيق، والناس سيطر عليهم الإحباط، حتى أنهم يبحثون عن الأمل فى باطن الأرض فى صورة آثار تلبى لهم الثروة وتنتشلهم من الفقر والحاجة، نرجوكم اعملوا على توفير مساحة أكبر نتحرك فيها، حتى لا نصعق مما هو قادم.

• كاتب صحفى بالأهرام









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة