محمد إبراهيم الدسوقى

البحث عن زعيم

الإثنين، 07 يونيو 2010 06:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نأبى كعرب ـ وبكل أريحية ـ إلا إضاعة وقتنا الثمين، بحثا عن زعيم نلتف ونتحلق حوله، نكيل له قصائد المديح والثناء بمناسبة وبغير مناسبة، ونتغنى صباح مساء بمآثره وخصاله العظيمة، وما جاد الزمان عليه من مواضع الذكاء والعبقرية والفطنة التى تجعله متفردا عن سابقيه، وأن من سيأتون بعده عليهم خوض غمار المشقة شبه المستحيلة المتمثلة فى تحقيق جزء، ولو يسير، مما حققه من بطولات وانتصارات وفتوحات خطفت لب وأنظار القاصى والدانى.
فعلنا هذا ـ ولا نزال ـ فى عهود وحقب، بدايتها كانت مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى تربع على عرش الزعامة العربية، ونهايتها كانت مع الشيخ حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبنانى، والدكتور محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفى لحظتنا الراهنة نعيد الكرة مع طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى الذى أضحى النموذج المجسد لشجاعة وجرأة الموقف والقرار، لا سيما بعد المجزرة الإسرائيلية ضد أسطول قافلة الحرية الساعى لكسر الحصار الظالم المفروض على سكان قطاع غزة. وفى غمرة ونشوة الافتنان بأردوغان تمنى كثيرون فى فضائنا العربى الرحب أن يكون الرجل حاكما لبلدانهم التى يتخذ قادتها من التخاذل والخنوع ملاذا وحصنا يرفضون مغادرته، مهما كان قدر ووزن الكارثة الساقطة على رأس الأمة والشعوب العربية. فى غمرة انشغالنا بالبحث عن الزعيم الموعود الذى سيخصلنا من الكوارث والجمود والانكسار، تفلت من بين أيدينا الملتهبة من كثرة التصفيق والتهليل، خاصية وميزة التفكير العاقل المبصر للحقائق وليس للأمانى المصاحبة لحفلات الطبل والزمر ودغدغة المشاعر المرهفة. ولنساءل أنفسنا سؤالا صريحا: هل ما يمارسه أردوغان من عنتريات وتحديه الفج لإسرائيل مقصود به مؤازرة وتدعيم القضية الفلسطينية وقضايانا العربية أم أنه يوظفها لمصلحته؟
ستكون الإجابة بلا، فرئيس الوزراء التركى تحركه دوافع ونوازع تتصل بالاستجابة لغضب الرأى العام التركى، فى أعقاب سقوط ضحايا أتراك فى المجزرة، وبحكم أن تركيا تعتمد الديمقراطية طريقا لا تحيد عنه، فإن تجاهل أردوغان لغضبهم سوف يكبد حزبه غاليا فى الانتخابات المقبلة، فهو مطالب ومجبر على احترام ناخبيه، حتى يبادلوه الاحترام عند وقوفهم أمام صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، أضف لذلك أن الرجل لديه تصورات وأحلام عريضة تخص الدور الإقليمى لتركيا، وسياسة حكومته الخارجية بنيت على أساس تعظيم دور أنقرة فى المنطقة، وكذلك يبعث برسالة لزعماء أوروبا الذين يضنون على تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبى، مذكرا إياهم بأن بلاده مالكة لأوراق يمكنها إثارة القلق، وأيضا فتح أبواب الشرق الأوسط المغلقة فى وجه التسوية السلمية للأزمة الفلسطينية ومشكلة البرنامج النووى الإيرانى، ما نريد إيصاله أن حسابات تركيا فى المعادلة مخالفة تماما لما استقر فى عقولنا بأن أردوغان هو المنقذ والمخلص لنا من عهد الخزى والعار والضعف عندما تنفذ إسرائيل ما تبغيه دون أن نحرك ساكنا، وكأن على رءوسنا الطير.
ثم علينا أن نجيب عن تساؤل آخر يتعلق بما نريده حقا من بحثنا عن الزعيم الموعود، لماذا لا نكاشف أنفسنا بأن إصرارنا على التفتيش عنه يمينا ويسارا يعكس عدم رغبتنا فى التحرك والبقاء فى أماكننا، انتظارا لما سيفعله زعيمنا المختار، نعم نحن كسالى ونخاف من الحركة والفعل، ونود التشبث بشخص يتولى عنا القيام بهذه المهمة، ولاحظ معى كيف أن شرائح من المصريين يتعلقون بحبل البرادعى، وكأن بيده المفتاح السحرى للتغيير، رغم أنه غير قادر على إنجاز شىء على الأقل بحكم السن، ووقت الجد إذا طلب منهم المشاركة الإيجابية لنصرة قضية التغيير لن يلبى سوى نفر قليل يعدون على أصابع اليد، لأننا نطمح للتغيير دون رغبة صادقة فى دفع الثمن المترتب عليه.
وما يدلل على كسلنا أننا نستغرق فى أحلام اليقظة بالسير مخدرين خلف الزعامات المنشودة، مثلما حدث مع عبد الناصر ونصر الله، قبل أن نفيق من غفوتنا على وقع فواجع يشيب لها الوالدن، مثل هزيمة 1967 والهجوم الإسرائيلى على لبنان عقب اختطاف عناصر حزب الله لجندين إسرائيليين فى 2006، والقائمة طويلة ولا يتسع لها المجال.
وفى الختام أتوجه برجاء حار بألا يؤخذ كلامى على أنه انتقاص واستخفاف بقيمة الزعامة ودورها فى إخراج الأمم من كبواتها وعثراتها، ولكن شريطة اعتدال كفة الميزان، فمن يبحث عن الزعيم عليه تهيئة نفسه للثمن.
* كاتب صحفى فى جريدة الأهرام.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة