محمد إبراهيم الدسوقى

مصريون غرباء

الأحد، 23 مايو 2010 06:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى ثمانينيات القرن الماضى، شاعت فى بلدان أمريكا اللاتينية ظاهرة اختطاف مديرى مكاتب الشركات اليابانية، طلبا لفدية مالية، وكانت هذه الشركات تبادر إلى الاستجابة الفورية لمطالب الخاطفين بدون نقاش أو جدال، ودفعت ما حدده الخاطفون من أموال فى هدوء بعلم الحكومة ومباركتها، هذا الموقف استفز كثيرا وسائل الاعلام اليابانية التى انتهز ممثلوها فرصة عقد رئيس الوزراء آنذاك مؤتمر صحفى، لمواجهته بحقيقة أن اليابان ترضخ للإرهاب، وهو تصرف وسلوك لا يصح أن تقدم عليه بلاد الشمس المشرقة، وعوضا عن التهرب وترديد حجج وأعذار واهية، إذا بالرجل يباغتهم بقوله: حياة المواطن اليابانى عندى غالية ولا تقدر بثمن، والأولوية بالنسبة لحكومتى تتمثل فى المحافظة عليها، ولذلك فأنا على استعداد للتضيحة بملايين الدولارات لضمان سلامته.

أسوق هذه الحكاية الطويلة لبيان أن الثروة الحقيقية والأهم للأمم تتجسد فى مواطنيها، وأن كل تجارب التقدم والتحديث فى عالمنا المعاصر بدأت من الاعتناء بالمواطن وبكل جزئية متصلة بتحسين أحواله وظروفه المعيشية والمادية، وبالتأكيد فإن ما سبق ليس بالجديد، لكن من المهم التذكير به ووضعه نصب العين، عندما نتابع الأخبار والقصص المؤلمة الواردة إلينا من لبنان والعراق وليبيا واليونان والكويت وغيرها، بشأن قتل مصريين بها بأساليب همجية تقشعر لها الأبدان، سيقال إن ملابسات بعض هذه الجرائم مرتبطة بمشاجرات وخلافات وحوادث ثأر وخلافه، ولن اجادل فى فرضية صحة ما سلف، ولكن ما يشغلنى حقا، ليس الملابسات بقدر تعاملنا مع مقتل المصريين الغرباء من جهة سفاراتنا فى الخارج، والجهات والهيئات المعنية فى الداخل.

فما إن ترد أنباء قتلهم، حتى تقرأ فى الصحف السيارة وتشاهد فى البرامج الحوارية، أن سفارتنا فى أثينا مثلا تتابع تحقيقات حادث العثور على أشلاء مصرى ملقاة فى صندوق القمامة، وأن السيد وزير الخارجية أصدر ـ بعد تقديم التعازى لأسرة الضحية ـ تعليماته المشددة لدبلوماسينا بإجراء اتصالات مع السلطات المختصة، وماذا بعد؟

لا شئ، فما إن تمر أيام، حتى تهدأ الأمور وتنسى القضية، وتكون النتيجة إهدار دماء المصريين هباء، فلا أحد يتذكرهم، وتضاف قصصهم وحكاياتهم المريرة لصفحات الذكريات، لأن سفاراتنا مشغلولة بنواحى غير ذات صلة بمتابعة أحوال المصريين المنتشرين فى بقاع الأرض، بحثا عن لقمة عيش لم يتمكن الوطن العزيز من توفيرها لهم أو على الأقل منحهم جرعة أمل فى الحصول عليها فى القريب المنظور أو البعيد، وإذا تصادف وذهبت فى رحلة للخارج، وسألت سفارتنا فى هذا البلد أو ذاك عن خريطة المصريين فيها وما يعترضهم من مشكلات ومتاعب، ففى الأغلب الأعم لن تجد جوابا شافيا، مع أن المنطق يقول إن معرفتنا بهذه الخريطة بالغة الأهمية لحاضرنا ومستقبلنا، فمن بين هؤلاء يوجد العالم والمهندس والطبيب المتميز .. الخ، وحينما نتواصل معهم يمكن أن يكونوا أداة مساعدة للتطوير والتحديث، بفضل ما يتراكم لديهم من خبرات ومهارات حصلوا عليها بتعبهم واجتهادهم.

والمطلوب منا لا يتعدى إشعارهم بأننا نهتم بهم وبمتاعبهم، إن كنا حقا جادين فى ما نعلنه من رغبتنا فى التطور ودفع عجلة الاقتصاد والتنمية، ودعونا من الرد بأن العديد من المصريين المغتربين يقيمون بصورة غير شرعية، وأنهم لا يريدون الاقتراب من السفارة المصرية، خشية اكتشاف أمرهم، فهذه الفئة ليست صاحبة الأغلبية، إنما أقصد الذين يمتلكون الشرعية فى الإقامة والعمل، وأتجاوز بقولى: انه حتى غير الشرعيين منهم علينا الاهتمام بهم ومراعاتهم، فهم يحملون الجنسية المصرية، فهؤلاء يشكلون رصيدا كبيرا لمصر، ليس لما يرسلونه من ملايين الدولارات حصيلة عملهم فى الخارج، وإنما لأنه يمكن بسهولة تحويلهم لقوة ضغط لا يستهان بها وبتأثيرها فى البلاد التى يوجدون بها، إذا أحسن تنظيهم وتوظيفهم وتمتين علاقتهم بوطنهم الأم.

ولنعود بالذاكرة قليلا للوراء، عندما كنا نستقبل عشرات الجثث يوميا من العراق، حيث قتلوا بدم بارد، ماذا فعلنا لهم، وأين حقوقهم، وهل حصلنا على تعويضات لهم من الحكومة العراقية فى عهد صدام حسين؟ لنترك صدام حسين، فما زال المصرى فى بلاد الرافدين عرضة للقتل والتنكيل، وكأنه كتب على المصريين المعاناة فى الداخل والخارج، إن الواجب يحتم علينا التحدث بصوت عال مدو دفاعا عن حقوقهم، التى أحسبها ركنا أصيلا من أركان المواطنة التى اتخذناها شعارا ونبراسا، وفوق هذا فإن المصريين الغرباء طاقات بمقدورها أفادتنا وحمل أعباء كثيرة على أكتافهم المنهكة، شريطة إحساسهم بأنهم ليسوا كماً مهملاً وهم على قيد الحياة، وحينما يغادرون دنيانا.

* كاتب صحفى بجريدة الأهرام.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة