حسنين كروم

هل بدأ العد التنازلى لبيع السكة الحديد ومراقبة الدولة؟

الخميس، 13 مايو 2010 08:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والأمر الغريب أنه بينما الحكومة تعلن وقف خططها لبيع ما تبقى لدى الدولة من مصانع وشركات، وتطويرها وضخ استثمارات جديدة فيها لتحويلها من الخسارة إلى الربح، وإعلان وزير الاستثمار الدكتور محمود محيى الدين تحقيق أرباح، وتتعرض سياساتها وسياسات الوزارات التى سبقتها إلى الانتقادات من أجنحة داخل النظام والحزب بل الاتهامات بتسليم ثروات البلاد إلى مستثمرين أجانب وغيرهم، والتسبب فى موجات الإضرابات العمالية، ووصل الأمر إلى أن يطلق رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى رجل الأعمال محمد فريد خميس عبارة «لعن الله الخصخصة» ليعيدها فى مجلس الشعب عضوه والأمين العام المساعد للحزب الوطنى ورئيس ديوان رئيس الجمهورية الدكتور زكريا عزمى..

فإنها فاجأت الجميع بالتقدم بمشروع قانون إلى مجلس الشعب يسمح بإدخال القطاع الخاص المصرى والأجنبى فى إقامة وإدارة مشروعات البنية الأساسية بنظام «بى. أو. تى» أى مشروعات الكهرباء والمياه والصرف الصحى والطرق والسكك الحديدية.. على أن تشترى الحكومة من المستثمرين المياه والكهرباء وتبيعها للجمهور بأسعار معقولة أو مدعومة، وأن تفرض أسعارا على الخدمات الأخرى بحيث يحصل المستثمرون على أرباح غير مُبالغ فيها لمنع استغلالهم الجمهور، وحجتها فى ذلك أنها تعانى من نقص فى السيولة يمنعها من استكمال هذه الخدمات، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص المحلى والأجنبى سيقدم خدمات مميزة للجمهور.

ولم تنتظر الحكومة موافقة المجلس للبدء فى ذلك لأنها أقدمت عليها فعلا بحجة أن القانون يبيح لها ذلك فى حدود مبالغ معينة. ومر القانون رغم المخاوف والمحاذير من تكرار الكوارث التى حدثت فى العقود الموقعة فى فترات الحكومات الثلاث، حكومة الدكتور كمال الجنزورى فى عقد الأمير الوليد بن طلال فى توشكى، وبيع شركة المراجل البخارية، وحكومة الدكتور عاطف عبيد، وعقد بيع أرض طابا لوجيه سياج واضطرارنا لفسخه بعد اكتشاف إدخاله شركاء إسرائيليين وتحويل النزاع للتحكيم الدولى، ودفعنا مبلغا لتسوية معه يصل إلى حوالى ستين مليون دولار، وفى عهد الحكومة الحالية وعقد بيع عمر أفندى.

ثم فضيحة عقد تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار مدعومة لصالح محدودى الدخل الإسرائيليين، والغاز المسال لإسبانيا لدعم محدودى الدخل الإسبان. ولا نعلم حتى الآن كم ألف مليون دولار دعمنا بها المساكين وأبناء السبيل من الإسرائيليين والإسبان، تشكل فرق السعر الذى بعنا به لهم، والذى كان ينبغى أن نبيع به. ولكن يكفى أن البيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء 14 أبريل الماضى المنشور فى صحف الخميس جاء فيه بالنص:
«عرض المهندس سامح فهمى تقريرا مفصلا حول أداء قطاع البترول، مؤكدا أنه تم استكمال تطوير جميع عقود تصدير الغاز الطبيعى والمسال، ويشمل ذلك مراجعة الأسعار ومعدلات التسعير، ووضع بند لمراجعة الأسعار بشكل دورى، ومن المتوقع أن ينتج عن هذه التعديلات تحقيق عائدات إضافية تُقدر بما يقرب من 25 مليار دولار على مدى فترات التعاقد».

والسؤال الآن: ما الذى يضمن لنا سلامة العقود التى سنوقعها مع المستثمرين الأجانب بالتحديد، وعدم تكرار المصائب الناتجة عن العقود السابقة؟ أم أننا سنجد أنفسنا أمام مشاكل وفسخ عقود وتحكيم دولى ودفع تعويضات؟ وما الذى يضمن لنا ألا تقع هذه المشروعات فى أيدى إسرائيليين يدخلون شركاء بعد التوقيع مثلما حدث مع وجيه سياج.. خاصة أن البعض لا يرى مانعا من ذلك، أسوة باتفاقية الكويز، خاصة أن هناك أحلاما لإسرائيليين بالعودة لامتلاك الشركات والمؤسسات والمصانع التى كانت ليهود مصريين فى الثلاثينيات والأربعينيات، بحيث نجدهم قد تسللوا لشركات إنتاج وتوزيع الكهرباء والمياه، وخطوط السكك الحديدية والمواصلات والصرف الصحى، خاصة أن أحمد عز فى مجلس الشعب كان عصبيا كما وصفته «الأهرام» وهو يرد على المخاوف التى أبداها عدد من أعضاء مجلس الشعب من دخول الأجانب فى هذه المشروعات بقوله: «ماذا نقول لهم وهم يسمحون لنا بالاستثمار فى بلادهم ونحن نمنعهم؟» - ووصف عصبى كان لجريدة «الأهرام». صحيح أن الحكومة أعلنت منذ حوالى عامين أن الاستثمار فى هذه المرافق سيكون فى المناطق والمدن الجديدة، مثل خط سكة حديد بعيد عن الخطوط الحالية المملوكة لهيئة السكك الحديدية، ومحطات مياه وكهرباء وصرف صحى غرب الدلتا والبحر الأحمر والساحل الشمالى، وهكذا، ولكن كل هذا سيكون مقدمة لفتح الأبواب أمامهم للتسلل إلى المؤسسات القائمة، وإلى شركات الكهرباء والمياه والصرف الصحى الحكومية، وتسيير قطارات خاصة محل خطوط السكك الحديدية من أسوان للإسكندرية.. والباقى معروف. وهو تقديم خدمات حكومية سيئة لتكون مبررا لإسنادها للمستثمرين. وقد تنجح هذه الخطة بعد أن فشلت من قبل، وأعلن عنها فعلا وهى تسيير قطارات خاصة على خط القاهرة - الإسكندرية وإسناد إدارة ورش السكة الحديد للمستثمرين. ولولا الضجة التى ثارت وقتها لكانت سكك حديد مصر قد تم بيعها.. مثلما تدخل الجيش وأوقف بيع الترسانة البحرية بالإسكندرية، وتدخلت وزارة الإنتاج الحربى لوقف بيع شركة سيماف لتصنيع عربات السكك الحديدية بشرائها وتطويرها وإجبار الحكومة على وقف استيراد العربات من الخارج، بل دخلت الوزارة فى عملية تصنيع القاطرات نفسها، وهذه مجرد نماذج عن الحرب الخفية بيع أجنحة النظام. جناح يعمل لبيع كل شىء للأجانب، وآخر يوقف اندفاعته وينقذ ما يمكن إنقاذه، مثلما حدث فى منع بيع جميع معامل تكرير البترول من وراء ظهر وزير البترول سامح فهمى، وكان هناك مخطط عام 2005 لإسناد إدارة الملاحة فى قناة السويس لشركات أجنبية بنظام حق الانتفاع «أو.بى.تى» ولماذا نذهب بعيدا، ألم يحدث من أيام قليلة إصدار قرار إعطاء المستثمرين الأجانب والمصريين حق الانتفاع فى أراضى سيناء من سنة إلى تسع وتسعين سنة؟ وبعد انكشافه تم تعديله إلى 49 سنة فقط ويقتصر على المصريين وفى مساحات محدودة للشركات والأفراد؟

والمشكلة مع هذا الجناح داخل النظام والحكومة الذى أراد وأعلن من قبل عن ضرورة بيع كل شىء.. لن يهدأ له بال إلا إذا أتم مهمته، ولن يتقبل بسهولة عملية الحصار والتحجيم التى يتعرض لها من المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية وجناح داخل النظام.. ولذلك لابد من المراجعة الدقيقة للعقود التى سيتم توقيعها، وإضافة شروط تعطى الدولة حق الموافقة والرفض على إدخال شركاء أجانب آخرين، أو بيع الأنصبة لها إذا أراد أى مستثمر الانسحاب.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة