منتصر الزيات

التأمين الصحى ومستشفى الهلال.. وحاتم الجبلى وابنتى إيمان

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010 05:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بينما كانت صغرى بناتى تلعب فى مدرستها الابتدائية، إذا بها تقع وقد كُسرت ساقها، ونقلتها إدارة المدرسة إلى التأمين الصحى بمدينة نصر، واتصلت زوجتى تبلغنى بالخبر، فانتقلت قلقا من مكتبى بوسط القاهرة إلى حيث التأمين الصحى بمدينة نصر، ومصدر قلقى أننى لم أعتد التعامل مع التأمين الصحى ولا المستشفيات العامة، فضلاً عن ارتباط التأمين الصحى بحالة من الجدل فى الفترة الماضية وشكوك وهواجس عن قيام وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى بخصخصته، فضلاً عن معلومات ترددت عن نقص أدواته وندرة الخدمة فيه.

وتمتمت فى نفسى لمَ لم تبلغهم ابنتى أننا مشتركون فى نظام العلاج بنقابة المحامين الذى يوفر لنا التواصل مع أكابر الأطباء وكبرى المستشفيات، حتى وصلت إلى هناك ودخلت مسرعاً إلى قسم الأشعة، راعنى منظر الزحام الذى لم أعتده لكنى أيضاً لاحظت انتظام العمل، وجدت فنى الأشعة هو الذى يباشر كل الإجراءات.. هو الذى ينادى على صاحب الدور ويقوم «بتظبيطه» على السرير وتوجيه الجهاز، ثم يسرع إلى الغرفة الملحقة من خلف الشاشة ليقوم بالتقاط الصورة، ثم يسحب النيجاتيف ويتركه «يتحمض» ثم ينادى على اللى بعده، تابعت كل هذه الخطوات بعناية, وانتقلت مع «ابنتى» إلى حيث العيادات الخارجية ليفحصها الطبيب المختص ليقرر العلاج، وجدت أعداداً من البشر فى صالة العيادات ينتظرون «الدور»، اكتشف الأخ سيد مدير شؤون العاملين وجودى فأسرع الرجل مرحباً بشخصى الضعيف معاوناً فى تذليل العقبات وأبرزها الزحام الشديد، وجدت سماحة من المرضى المتواجدين فى تقديمى ودلفت من ثم مسرعاً إلى داخل غرفة الكشف لأبصر طبيباً شاباً مرهقاً غير قادر على مجاوزة أو تخطى مكتبه، فحص الأشعة ليقرر أن ابنتى تحتاج إلى جبس كامل فوق الركبة، استطرد الطبيب الشاب «البنت لم تزل صغيرة ولا تحتاج لتدخل جراحى، النمو فى هذه السن سريع، سأضع لها جبيرة حتى تهدأ الالتهابات لمدة أسبوع ثم نضع لها الجبس بعد أسبوع»، أعجبنى ذكاؤه، وقام بنفسه بوضع قدم ابنتى فى الجبيرة بطريقة محكمة.

أهم ما لاحظته فى التأمين الصحى هو وفرة المرضى! فالزحام يحيط بكل العيادات الطبية فى مختلف التخصصات، وهذا يعنى أن التأمين الصحى سلعة بالغة الأهمية للمواطن المصرى متوسط الحال والفقير، يغطى كل المستويات والأعمار من المواليد مرورا بطلبة المدارس والجامعات وصولا إلى جميع العاملين بالحكومة وشركات القطاع العام والخاص، وانتهاء بأصحاب المعاشات والأرامل، وهو ما يتنافى مع دعايات قللت من أهميته وشككت فى قدراته، صحيح أننى لم أجد التكييف يعمل فى غرفة الأشعة أو الكشف، بينما يعمل فى غرف الأطباء والإدارة! وصحيح أيضاً أن فنى الأشعة يعمل بكامل طاقته دون مساعدين، لكنه وبكل صدق يعمل بجد ومثابرة وإخلاص، سألت الأخ سيد عن عدد المرضى الذين يراجعون عيادات التأمين يوميا، فأفاد بأن عدد الذين يترددون يوميا للعلاج قرابة 3000 مريض! معظمهم من ذوى الحالات الخاصة ومرضى القلب، وأن عدداً كبيراً منهم يفد من المحافظات على مستوى الجمهورية، وأن نخبة من الاستشاريين وأساتذة الجامعات فى شتى فروع الطب يقدر عددهم بنحو مائة طبيب يتناوبون فحص المرضى منذ السابعة صباحاً حتى السابعة مساء فى 250 غرفة كشف.

التأمين الصحى مرفق حيوى جداً يحتاج إلى الرعاية والدعم والتطوير المستمر، خرجت منه بمشاعر مختلفة، شعرت بامتنان لكل العاملين به الذين يقومون بجهد خارق مع قلة الإمكانات يستحقون التحية والتقدير

لكننى خشيت على «إيمان» فراجعت أحد أبرز أساتذة العظام فى عيادته، عرضت عليه أشعة التأمين قبل الجبيرة وبعدها، فأثنى على ما جرى ثناء عطرا حقق الطمـأنينة وزرع الثقة فى قدرات أطبائنا الشباب.

أشار علىّ صديقى الطبيب المرموق بأن أنفذ الجبس فى مستشفى الهلال، فمصمصت شفتىّ حتى أفاقنى «هو أنت محرمتش» ومضى فى جرعة توبيخ احتجتها «كيف بمثقف مثلك يجهل قيمة وتاريخ هذا المستشفى العريق الذى تأسس عام 36 وتخصص فى جراحات العظام والمفاصل والحوادث» فأدركت ما يعنى ومضيت فى الموعد المحدد إلى مستشفى الهلال، وأشهد الله أننى أبدا ما لجأت لواسطة أو تجرأت على مجاوزة طابور فى مؤسسة عامة طبية أو غيرها، ولم أكد أدخل مع ابنتى وزوجتى إلى استقبال المستشفى لاتخذ الإجراءات حتى أحاطنى ثلاثة من إدارة العلاقات العامة بها، جمال مصيلحى مديرها ونائبه منذر عمر وآخر لا أذكره، وأصروا على اصطحابى لاستراحة المستشفى، وأخذوا الأوراق لإنجاز الإجراءات، وبينما أرتشف فنجان القهوة كان الوضع معداً وتم إجراء الأشعة، وناظرها طبيب شاب أيضاً نطاسى موهوب وأكد سلامة ما قام به زميله فى التأمين الصحى وقام أيضاً بوضع الجبس فوق الركبة بعد إزالة الجبيرة.

واصطحبنى رجال العلاقات العامة بالمستشفى للقاء مديرها العام الدكتور محمود الشناوى، والدكتور محمد يسرى رجب، مستشار رئيس الأمانة، ما فاجأنى أولا أن هذه القيادات التى التقيتها ألقت بأهم أسباب النجاح فى إستراتيجية العمل بمستشفى الهلال لرئيسها السابق طارق الغزالى حرب، وهو أمر يستحق الإشادة، فدائما المسؤولون فى بلادنا يكسرون خلف سلفهم أشياء كثيرة! قال الدكتور رجب إن مهمته مؤقتة فى هذا المكان، وأوضح أن مستشفى الهلال به أكبر مركز متخصص فى جراحات العظام والمفاصل التخصصية فى الشرق الأوسط، وأن سعة المستشفى 275 سريرا.

أيضاً علمت من الدكتور محمود الشناوى، مدير المستشفى، أن الحالات التى تحتاج جراحات عاجلة سيتم علاجها من خلال العلاج المجانى بالمستشفى، وأن الوزير حاتم الجبلى فى زيارته الأخيرة للمستشفى أمر بإضافة جراحات المفاصل والعمود الفقرى لقرارات العلاج على نفقة الدولة.

لقد كتبت من قبل غير مرة أنتقد الدكتور حاتم الجبلى، اتهمته بأنه يحول مرفق الصحة إلى قطاع استثمارى، وأنه يدير الوزارة بمنطق البيزنس ورجال الأعمال. إن تجربتى فى التأمين الصحى ومستشفى الهلال تقطع بأن أعترف بخطأ تقييمى، لا أقول هذا تجملا وامتنانا لمعاملة طيبة عاملنى بها المسؤولون هنا أو هناك، لكنى رأيت وسمعت وتجولت وأدركت أن جهدا يُبذل لعلاج الفقراء ومتوسطى الدخل، كما نملك شجاعة النقد لا بد أن نتحلى بفضيلة الرجوع للحق.. ظلمتك يا جبلى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة